التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَٱجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ
٤
-النور

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ } لمّا بيّن حكم الزّانى والزّانية وحدّهما وغلّظ عليهما اراد ان يبيّن انّ نسبة الفاحشة الى العباد امر عظيم مستحقّ قائلها للعذاب مثل عذاب الزّانى والزّانية غاية الامر انّ عذابه دون مرتبة عذابهما بدرجةٍ وان يبيّن انّ اثبات الفاحشة للعباد ليس مثل اثبات سائر الحقوق يكتفى فيها ببيّنتين حتّى لا يجرأ النّاس على نسبة الزّنا الى العباد فقال: والّذين يرمون { ٱلْمُحْصَنَاتِ } الّلاتى احصنّ فروجهن بالعفاف والاسلام والحرّيّة والبلوغ والعقل فانّ المراد بالاحصان ههنا هذه { ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَٱجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } هذه الآية مجملة كاكثر الآيات فانّ ظاهرها اختصاص الرّامين بالرّجال والمرمىّ بالنّساء والحال انّه لا فرق فى الرّامىّ والمرمىّ بين الرّجل والمرأة، والعبد والحرّ، والمحصن وغير المحصن، والبكر وغير البكر، ولا بين ان يكون الرّمى فى حضور المرمىّ او فى غيابه بلا خلافٍ فى اكثر المذكورات، ولا بين كون الرّمى بالصّراحة او بالكناية الغير المحتملة غيرها ولكن ينبغى ان يكون الرّامى عارفاً بمعنى الكلمة فلو قال: انت تزنى او ابوك زنى بك او يا ابن الفاعلة او انت المفعول وانت تعمل عمل قوم لوطٍ، او لست من ابيك، او امّى ما زنت فى مقامٍ لا يحتمل سوى التّعريض، او انا لست من الزّنا تعريضاً بالغير فى مقامٍ لا يحتمل غير التّعريض، او قال فى مقام السّبّ ما صريحه الرّمى مع قصد الرّمى مثلاً امرأتك الفاعلة او مثل النّسبة الى الدّياثة مع قصد الرّمى كان رمياً ولو لم يقصد بلفظة الرّمى، او لم يكن صريحة الرّمى مثل ان يقول: ولدت من الحرام فإنه مشترك بين الرّمى والتّوليد من الغذاء الحرام والانعقاد حال الحيض لم يكن رمياً، نعم لو قال امثال ذلك فى حضور المسلم كانت هتكاً لحرمته وكان قائلها مستحقّاً للتّعزير، ولمّا جعل تعالى حكم زنا المحصنين وحكم اللّواط والسّحق القتل اعتبر فى اثباتها اربع رجالٍ من دون اعتبار النّساء عوضهم منفردات او منضمّات ليكون اثباتها صعباً وجعل على من نسب هذه الى احدٍ من دون الاتيان باربعة رجال حدّاً حتّى لا يجترء احد على نسبة هذه الى النّاس ولو رآهم عليها لا يجترء على ابرازها لئلاّ يفتضح المسلمون من غير جرمٍ او ليتوب المجرم ولا يفتضح ولا يزهق روحه بجرمٍ يمكن ان يتوب عنه ويعبد الله بعده، ولئلاّ يفترى العامّة على الخاصّة، ولئلاّ يجترؤا على الاظهار اذا رأوهم على المتعة فانّ الله قد علم انّهم سينكرونها ويأخذون عليها فجعل الشّاهد للزّنا اربعة رجال فقط لئلاّ يجترء من رأى احدهم على التّمتّع بالمتعة على الاظهار فانّه قلّما يتّفق اطّلاع اربعة رجال على الوطى ولو كان حلالاً، روى عن الصّادق (ع) انّه سئل لم جعل فى الزّنا اربعة شهود وفى القتل شاهدان؟- فقال: انّ الله احلّ لكم المتعة وعلم انّها ستنكر عليكم فجعل الاربعة الشّهود احتياطاً لكم لولا ذلك لاتى عليكم، وقلّما تجتمع اربعة شهادة بامر واحدٍ، وفى رواية قال (ع): الزّنا فيه حدّان ولا يجوزان يشهد كلّ اثنين على واحد لانّ الرّجل والمرأة جميعاً عليهما الحدّ، والقتل، انّما يقام الحدّ على القاتل ويدفع عن المقتول { وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } عطف فيه معنى التّعليل، نسب الى الباقر (ع) انّه نزل بالمدينة والّذين يرمون المحصنات قال فبرّأ الله المفترى ما كان مقيماً على الفرية من ان يسمّى بالايمان قال الله عزّ وجل { { أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ } [السجدة:18] وجعله الله منافقاً فقال الله: { { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [التوبة:67] وجعله الله من اولياء ابليس قال: { { إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } [الكهف:50]، وجعله ملعوناً فقال: { { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ٱلْغَافِلاَتِ ٱلْمُؤْمِناتِ لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } [النور:23].