التفاسير

< >
عرض

لاَّ تَدْعُواْ ٱلْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَٱدْعُواْ ثُبُوراً كَثِيراً
١٤
قُلْ أَذٰلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ ٱلْخُلْدِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَآءً وَمَصِيراً
١٥
لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً
١٦
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ
١٧
قَالُواْ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكْرَ وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً
١٨
-الفرقان

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ لاَّ تَدْعُواْ } جواب سؤالٍ مقدّرٍ بتقدير القول كأنّه قيل: ما يقال لهم؟- فقال: يقال لهم: لا تدعوا { ٱلْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَٱدْعُواْ ثُبُوراً كَثِيراً قُلْ } لهم { أَذٰلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ ٱلْخُلْدِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَآءً } جوابٌ لسؤالٍ مقدّرٍ ورفع لتوهّم الامتنان بهذا الاحسان { وَمَصِيراً لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ خَالِدِينَ } ولمّا كان تمام الاحسان الى الاضياف حضور ما يشاؤه كلّ احدٍ وعدم زوال النّعمة أتى بهما { كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ } عطف على هنالك سواء كان للزّمان او المكان، او عطف على قل بتقدير اذكر، او ظرف ليقول والفاء زائدة او بتقدير امّا او توهّمها { وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } من افراد البشر ومن سائر المواليد ومن الكواكب والاصنام او ما يعبدون عبادة طاعةٍ من دون ولىّ امرهم { فَيَقُولُ } خطاباً للمعبودين { أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ } بأنفسهم { ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ قَالُواْ } التّعبير بالماضى لتحقّق وقوعه او لوقوعه بالنّسبة الى محمّدٍ (ص) فانّه كان يشاهد كلّ ما لم يشاهده غيره من امر الآخرة { سُبْحَانَكَ } عن كون امثالنا انداداً لك وشركاء فى المعبوديّة { مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ } يعنى للعابدين ولنا او المراد المعبودون فقط { أَن نَّتَّخِذَ } قرئ بالنّون مبنيّاً للفاعل ومبنيّاً للمفعول { مِن دُونِكَ } من دون اذنك او هو حال من اولياء ولفظ من للتّبعيض { مِنْ أَوْلِيَآءَ وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ } من المشتهيات الدّنيويّة فاشتغلوا بها عن الآخرة { وَآبَآءَهُمْ } يعنى لم يكونوا فى ضيقٍ فى وقت كونهم مستقلّين بأمرهم ولا فى وقت كونهم عيالاً لغيرهم فلم يكن لهم اضطرار حتّى يتذكّروا الآخرة وتكون فى ذكرهم { حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكْرَ } الذّكر يطلق على الكتب السّماويّة والشّرائع الالهيّة، وعلى الرّسالة والولاية، وعلى الانبياء واوصيائهم (ع)، وعلى الولاية التّكوينيّة الّتى هى فطرة الله الّتى فطر النّاس عليها، وعلى الجهة الّتى بها يتذكّر الله من الاشياء { وَكَانُواْ } فى الذّر او باصل فطرتهم او صاروا { قَوْماً بُوراً } هالكين مصدر وصف به ولذلك يطلق على الواحد والاثنين والجماعة والمذكّر والمؤنّث بلفظٍ واحد، او مشترك بين جمع بائر ووصف بار بمعنى هلك ومصدره يعنى انّهم كانوا هالكين من الحيٰوة الانسانيّة وغافلين عن اللّطيفة الالهيّة الّتى بها يكون تذكّر الانسان لله ولامور الآخرة فلم يتذكّروا من التّوجّه الينا امراً الهيّاً اخرويّاً بل كان توجّههم فى العبادة لنا الى الجهة النّفسانيّة منّا الموافقة لجهاتهم النّفسانيّة واهويتهم الكاسدة وشياطينهم المغوية فكانوا فى عبادتنا يعبدون الجنّ واهويتهم.