التفاسير

< >
عرض

وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَأَصْحَابَ ٱلرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً
٣٨
وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ ٱلأَمْثَالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً
٣٩
وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِيۤ أُمْطِرَتْ مَطَرَ ٱلسَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً
٤٠
-الفرقان

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَعَاداً } عطف على مفعول دمّرناهم او على مفعول جعلناهم او على للظّالمين بطريق الحذف والايصال، او بالعطف على محلّه او مفعول لاذكر محذوفاً او لاهلكنا محذوفاً { وَثَمُودَاْ وَأَصْحَابَ ٱلرَّسِّ }.
حكاية اصحاب الرّسّ
الرّسّ البئر المطويّة بالحجارة واسم لبئر كانت لبقيّة من ثمود والحفر والاخفاء ودفن الشّيء تحت الشّيء، واصحاب الرّسّ على ما روى عن مولانا امير المؤمنين (ع) كانوا يعبدون شجر الصّنوبر، وكان لهم اثنتا عشرة قرية على نهرٍ يقال له الرّسّ وسمّوا قراهم بأسماء الشّهور الفرسيّة وكان فى كلّ شهرٍ عيد لهم فى قرية من قراهم، وأخذوا أسماء الشّهور من اسماء تلك القرى أخذوا لكلّ شهرٍ اسم القرية الّتى كان فى ذلك الشّهر عيد تلك القرية، وكان فى كلّ قريةٍ شجرة يعبدونها ويجتمعون عندها فى موسم العيد، وكان الشّيطان يحرّك تلك الشّجرة بعد الاجتماع عندها وعبادتها ويتكلّم معهم ويصيح من ساقها قد رضيت عنكم عبادى فطيبوا نفساً، واذا كان عيد قريتهم الكبيرة اجتمعوا عند الشّجرة العظيمة الّتى فيها اكثر ممّا اجتمعوا فى سائر القرى وذبحوا القرابين اكثر ممّا ذبحوا فى سائر القرى وكان الشّيطان يتكلّم من جوف تلك الشّجرة كلاماً جهوريّاً ويمنّيهم اكثر من السّابق، فلمّا تمادوا فى ذلك ارسل الله تعالى اليهم نبيّاً من ولد يهود ابن يعقوب فمكث يدعوهم الى التّوحيد زماناً طويلاً فلمّا رأى تماديهم فى الطّغيان دعا الله ان ايبس اشجارهم فيبست فلمّا رأوا أشجارهم قد يبست صاروا فرقتين؛ فرقة قالوا سحر هذا آلهتكم، وفرقة قالوا غضب آلهتكم حين رأت هذا الرّجل يصرف وجوه النّاس عنها ولم تغضبوا لها، واجمعوا على ان يدفنوه فى نهر الرّسّ تحت الشّجرة الكبيرة ودفنوه حيّاً تحت نهر الرّسّ، فسمّاهم الله اصحاب الرّسّ لكونهم اصحاب القرى الواقعة على نهر الرّسّ او لدفنهم نبيّهم حيّاً، فغضب الله فأرسل عليهم ريحاً شديدة الحمرة وصارت الارض من تحتهم حجر كبريتٍ تتوقّد واظلّتهم سحابة سوداء فألقت عليهم كالقبّة جمراً يلتهب فذابت ابدانهم كما يذوب الرّصاص فى النّار، وقيل: الرّسّ نهر بناحية آذربايجان، روى انّه دخل على الصّادق (ع) نسوة فسألته امرأة منهنّ عن السّحق فقال: حدّها حدّ الزّانى فقال المراة: ما ذكر الله عزّ وجلّ ذلك فى القرآن؟- فقال: بلى، فقالت: واين هو؟- قال (ع): هنّ اصحاب الرّسٍّ، وفى خبرٍ: دخلت امرأة مع مولاة لها على ابى عبدالله (ع) فقالت ما تقول فى اللّواتى مع اللّواتى؟- قال (ع): هنّ فى النّار الى ان قالت: ليس هذا فى كتاب الله؟- قال: نعم، قالت: اين هو؟- قال (ع): قوله: { وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَأَصْحَابَ ٱلرَّسِّ } فهنّ الرّسّيّات، وفى خبرٍ: انّ سحق النّساء كانت فى اصحاب الرّسّ، وقيل: انّ الرّسّ اسم بئرٍ رسوا فيها نبيّهم اى القوا فيها، وقيل: اصحاب الرّسّ كانوا اصحاب مواشٍ ولهم بئر يقعدون عليها وكانوا يعبدون الاصنام فبعث الله اليهم شعيباً فكذّبوه فانهار البئر وانخسفت بهم الارض فهلكوا، وقيل: الرّسّ قرية باليمامة قتلوا نبيّهم فأهلكهم الله، وقيل: الرّسّ بئر بانطاكية قتل اهلها حبيباً النّجّار فنسبوا اليها { وَقُرُوناً } جمع القرن والقرن له معانٍ عديدة لكنّ المناسب ههنا ان يكون بمعنى الامّة الهالكة الّتى لم يبق منهم احد، او اهل زمانٍ واحدٍ او الامّة بعد الامّة { بَيْنَ ذَلِكَ } المذكور من قوم نوحٍ وعادٍ وثمود واصحاب الرّسّ وقوم موسى { كَثِيراً وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ ٱلأَمْثَالَ } يعنى كلاًّ من الامم الهالكة اجرينا له حكاياتٍ عديدة من الماضين مهدّدة من سخطنا ومرغّبة فى رحمتنا كما ضربنا لامّتك الامثال العديدة بهذا المنوال { وَكُلاًّ تَبَّرْنَا } التّبر الكسر والاهلاك كالتّتبير { تَتْبِيراً وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِيۤ أُمْطِرَتْ مَطَرَ ٱلسَّوْءِ } وهى قرى قوم لوطٍ اُمطرت بالحجارة { أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا } حتّى يعتبروا بها ولا يحتاجوا فى التّنبيه والتّهديد الى غيرها { بَلْ } رأوها ولكن { كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً } لعدم اعتقادهم بالحشر او ليأسهم من رحمة الله فيكون المعنى لا يرجون نشوراً للثّواب.