التفاسير

< >
عرض

وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً
٦٣
-الفرقان

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ } جملة مع ما بعدها معطوفة على قوله وهو الّذى مرج البحرين او هو الّذى خلق من الماء بشراً او على قوله { يَعْبُدُونَ } او قوله { وَكَانَ ٱلْكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِ ظَهِيراً } او على قوله { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا ... ٱلرَّحْمَـٰنُ } او على { تَبَارَكَ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجاً } او على { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً } { ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً } صفة لعباد الرّحمن وخبره قوله { أُوْلَـٰئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ } او خبر له اراد تعالى ان يبيّن علائم مقام العبديّة حتّى لا يغترّ السّالكون الى الله بما يلوح من التّجليّات الغيبيّة ولا يظنّوا انّهم وصلوا، ومن الانانيّة واسر النّفس خرجوا، ومقام العبديّة والحضور حصّلوا؛ فانّ مقام العبديّة لا يحصل للسّاكت الاّ اذا خرج من انانيّته ولم ير فعلا وصفة الاّ من الله تعالى، وادنى مراتب هذا المقام بحسب الظّهور فى المظاهر ان ينزّل السّكينة الالهيّة على السّالك ويشاهدها لا بنحو شهود المباين ولا بنحو شهود المحلّ للحالّ المنبئ عن الحلول ولا بنحو شهود المتّحد للمتّحد المنبئ عن الاتّحاد، فانّ شيئاً منها ليس من مقام العبديّة بل مقام العبديّة ان يصير السّكينة مالكة ومحيطةً بحيث لا يبقى للعبد فعل وصفة وذات وارادة وشعور، لكن مقام الحلول والاتّحاد انموذج عن مقام العبديّة ومخبر عنه وفى هذا المقام يكون العبد مثل من وقع على رأسه طير عزيز بل اعزّ من ذاته لا يريد ان يطير عنه بل يرى فناء ذاته فى طيرانه فانّه يبالغ ويجتهد فى ان لا يطير عن رأسه فيجتهد فى خفض صوته وسكون أعضائه فلا يحرّك يده ولا رجله ولا سائر اعضائه اذا اضطرّ الى تحريكها الا بتأنٍّ ورفقٍ، وان اراد غيره ان يرفع صوته او يتحرّك اعضاؤه يلتمس عنده ويسأله ان لا يرفع ولا يحرّك اعضاءه عنده فلا يمشى صاحبوا السّكينة الاّ كما يمشى صاحب الطّير { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ } يعنى بجهلهم لا يعارضونهم بمثل جهلهم فانّ الجاهل لا يخاطب من حيث الجهل الاّ بما ليس فيه رضى الله و { قَالُواْ } ليناً بهم { سَلاَماً } لئلاّ يظهر منهم ما ينافى حضورهم وما يكرهه الحاضر عليهم.