التفاسير

< >
عرض

سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ بِمَآ أَشْرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَىٰ ٱلظَّالِمِينَ
١٥١
-آل عمران

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ } بعد ما تلطّف بهم وقوّاهم بكونه مولاهم وناصرهم وعدهم الرّعب فى قلوب اعدائهم استتماماً للنّصرة واستكمالاً للتّقوية وقد انجز وعده بعد هزيمة المسلمين فى احدٍ بنصرتهم على اعدائهم والقاء الخوف فى قلوبهم بحيث انهزموا وما وقفوا الى مكّة من خوف تعاقب المسلمين { بِمَآ أَشْرَكُواْ بِٱللَّهِ } باشراكهم فى الطّاعة وفى الوجود { مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً } الباء فى به ظرفيّة او سببيّة او للالصاق والمعنى بما اشركوا بالله شريكاً لم ينزّل بسببه من حيث شركته برهاناً وحجّة دالّة على جواز الاشراك به فى الطّاعة وعلى جواز التوجّه والنّظر اليه.
تحقيق الاشراك بالله باذنه وبرهانه
اعلم انّ الانسان سوى المعصومين من اوّل الصّبا كافر محض حالاً واعتقاداً الى اوان المراهقة والبلوغ فان ساعده التّوفيق وانجذب الى الانقياد لنبىّ وقته والاعتقاد بالتّوحيد صار مسلماً موحّداً اعتقاداً وكان كافرا حالاً لانّه حينئذٍ فى دار الكثرة ومقام النّفس الّتى لا ترى الاّ الكثرات ولا تتذكّر فى الفاعلين فاعلاً وحدانيّاً بل لا تعتقد فاعلاً وحدانيّاً فان ساعده التّوفيق وانجذب من دار الكثرة الى دار الوحدة الّتى هى دار القلب ودار الايمان فان بايع البيعة الخاصّة الولويّة ودخل الايمان فى قلبه وهاجر من دار الحرب الّتى هى دار النّفس ودار الكفر الى مدينة القلب الّتى هى دار الامن والامان والايمان فهو قد يجد وجداناً وحالاً الهيّاً فى الفاعلين فيخرج من الكفر الحالىّ الى الشّرك الحالىّ ثمّ الشّهودىّ ثمّ العيانىّ حتّى يخرج من دار الشّرك الى دار التّوحيد بحيث لا يرى فى الوجود الاّ الله وحصّل معنى لا حول ولا قوّة الاّ بالله، ثمّ معنى لا اله الاّ الله، وهنا لك يخرج من الشّرك ويصير موحّداً فالانسان ما دام فى دار الكفر والشّرك لا يخرج من الاشراك بالله فى الوجود ولا فى الطّاعة لانّه ان لم يطع انساناً يطع هواه وشيطاناً فان كان ما اشرك به لله انزل الله تعالى حجّة وبرهاناً فى صحّة اشراكه كان المشرك موحّداً من طريق الاشراك وكان اشراكه مأذوناً فيه ومأجوراً فيه، وان لم ينزّل فى اشراكه برهاناً وسلطاناً كان اشراكه كفراً ومنهيّاً عنه ومورثاً لعقوبة الآخرة فقوله تعالى: { بِمَآ أَشْرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً } يفيد بمفهوم مخالفته انّه ان اشرك بالله من نزّل الله به سلطاناً لم يكن مذموماً وقد فسّر الاشراك فى الاخبار بالاشراك بالولاية وبالاشراك بعلىّ (ع) وذلك لظهور الآلهة بالولاية وظهور الله بعلىّ (ع) { وَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَىٰ ٱلظَّالِمِينَ } النّار وفى وضع الظّاهر موضع المضمر اظهار لذمٍّ آخر واشعارٌ بعلّة الحكم.