التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ ٱلْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ ظَنَّ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ يُخْفُونَ فِيۤ أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَٰهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
١٥٤
-آل عمران

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ ٱلْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً } لتعلموا ان ليس الابتلاء والامنة الخارجان عن طريق المعتاد الاّ عن الله وتكلوا اموركم الى الله، و(امنة) مفعول انزل و(نعاساً) بدل منه بدل الاشتمال، او امنة حال من نعاساً او من المخاطبين بان تكون جمع آمن او بتقدير آمنين، ونعاساً بدل منه بدل الاشتمال، او امنة حال من نعاساً او من المخاطبين بان تكون جمع آمن او بتقدير آمنين، و(نعاساً) مفعول. نقل عن بعض الغازين فى احد انّه قال غشينا النّعاس فى المصافّ حتّى كان السّيف يسقط من يد احدنا فيأخذه ثمّ يسقط فيأخذه { يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ } وهم المؤمنون الخالصون { وَطَآئِفَةٌ } اخرى ولتقدير الصّفة جاز الابتداء به وهذه الطّائفة هم المنافقون { قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ } اوقعتهم انفسهم فى الهموم او جعلتهم ذوى اهتمام بأنفسهم من غير التفاتٍ الى الدّين او الرّسول (ص) والمسلمين والجملة خبر عن طائفة او صفة لها { يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ } خبر بعد خبر او صفة بعد صفة او خبر ابتداء او حالٌ او مستأنف جواب لسؤال مقدّر { غَيْرَ ٱلْحَقِّ } غير الظّنّ الحقّ على ان يكون مفعولاً مطلقاً او غير المظنون الحقّ على ان يكون قائماً مقام المفعولين { ظَنَّ } الملّة { ٱلْجَاهِلِيَّةِ } بدل من غير الحقّ او مفعول مطلق { يَقُولُونَ } عند انفسهم او لاقرانهم والجملة بدل عن يظنّون او هى مثل الجملة السّابقة فى الوجوه المحتملة { هَل لَّنَا مِنَ ٱلأَمْرِ } اى من امر الدّين او من امر الوعد بالنّصر والظّفر او من امر أنفسنا وتدبير خلاصنا من هذه البليّة، او هل لنا نجاة فنكون مسلّطين على امر انفسنا { مِن شَيْءٍ } يعنى يظهرون اضطرابهم وعدم اعتقادهم بنبوّة محمّد (ص) على انفسهم بكلامهم النّفسانىّ او على غيرهم بكلامهم اللّسانىّ { قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ } اى امر الغلبة والنّصر او امر التّدبير او عالم الامر والقضاء والجملة معترضة ان كان قوله تعالى { يُخْفُونَ فِيۤ أَنْفُسِهِم } حالاً او صفة او خبراً وامّا اذا كان مستأنفاً جواباً لسؤالٍ مقدّرٍ فيكون قوله { قل انّ الامر كلّه لله } منقطعاً مستأنفاً والمعنى يخفى هؤلاء الطّائفة المنافقة فى انفسهم من الانكار والتّكذيب وارادة اللّحوق بالكفّار { مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ } الجملة كالجمل السّابقة فى وجوه الاعراب { لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ } باحد المعانى المذكورة، او لو كنّا بالمدينة باختيارنا ولم نبرح من المدينة كما كان رأى ابن ابىٍّ وغيره { مَّا قُتِلْنَا } ما غلبنا وما قتل المقتولون منّا { هَاهُنَا قُل } ردّاً لهذا الزّعم الفاسد والخيال الكاسد { لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ } متحصّنين { لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ } فى اللّوح المحفوظ او فرض { عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ } ومصارعهم لم ينفعهم التّحصّن، او المعنى قل لهم ايّها المضطربون الشّاكّون: لو كنتم فى بيوتكم لبرز المؤمنون الّذين فرض الله عليهم القتال الى مضاجعهم { وَ } فعل ذلك الخروج والقتال والمقتوليّة والمغلوبيّة بكم { لِيَبْتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ } ويمتحنه حتّى يظهر كونه فاسداً غير موافقٍ لما فى اللّسان { وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ } لمّا كان الصّدر يطلق على النّفس باعتبار جهتها السّفليّة والقلب يطلق عليها باعتبار جهتها الى القلب الحقيقىّ نسب الابتلاء الّذى هو استعلام حال الرّدىّ واظهار ردائته الى الصّدر والتّمحيص الّذى هو تخليص الجيّد من الرّدىّ والصّحيح من الفاسد الى القلب لانّ صدر المنافق لا يكون فيه الاّ النّفاق والفاسد من العقائد وما لم ينقطع الفطرة الانسانيّة منه ولم يرتدّ فطريّاً لا يخلو قلبه من امرٍ حقٍّ ولو كان اجماليّاً { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } فلا يكون الامتحان منه لاستعلام الممتحن كامتحان الجاهلين بل لاستكمال الممتحن او ظهور حاله على معاشريه ممّن لم يعلم حاله او استنزاله.