التفاسير

< >
عرض

فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
٢٥
-آل عمران

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ فَكَيْفَ } حالهم تهويل لهم وتفخيم لعذابهم { إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ } فى يوم او لمجازاة يوم { لاَّ رَيْبَ فِيهِ } لا ينبغى الرّيب فيه روى انّ اوّل راية ترفع يوم القيامة من رايات الكفّار راية اليهود فيفضحهم الله على رؤس الاشهاد ثمّ يأمر بهم الى النّار { وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ } ادّيت اليها تمام ما كسبت على تجسّم الاعمال او تمام جزاء ما كسبت { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } بنقص ثواب او زيادة عقاب.
اعلم انّ النفوس البشريّة تكسب فعلية من الاعمال البدنيّة والرّياضات النّفسيّة وتلك الفعليّة ليست كيفيّة عرضيّة كما يظنّ بل هى شأن جوهرىّ من شؤن النّفس على ما حقّق فى الفلسفة من الحركات الجوهريّة وذلك الشّأن ان يبق للنّفس بعد رفع حجب الطّبع بالموت الاختيارىّ او الاضطرارىّ يتمثّل بصورة موافقة له مملوكة للنّفس وهذا معنى تجسّم الاعمال ويتفضّل الله على صاحبها بمثل تلك الصورة او يضعف عذابها بمثلها على اختلاف الكسب وهذا احد وجوه الجنّتين فى قوله تعالى:
{ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } [الرحمن: 46] واحد وجوه قوله لكلّ ضعف { وَلَـٰكِن لاَّ تَعْلَمُونَ } والتّوفية تأدية تمام ما ينبغى ان يؤدّى وعلى هذا جاز ان يقال أعطاه الله نفس ما كسبت وان يقال أعطاه الله جزاء ما كسبت وحبط الاعمال ومحو السيّئات عبارة عن بطلان تلك الفعليّة وانمحاؤها عن صفحة النّفس، وتبديل السيّئات حسنات عبارة عن تسخير تلك الفعليّة للعاقلة بعد ان كانت مسخرة للشّيطان والعفو عن السيّئات وغفرانها عبارة عن بقاء تلك الفعليّة مع سترها عن الانظار وعدم تمثّلها وعدم ظهورها بصورة مناسبة لها.