التفاسير

< >
عرض

قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٣١
-آل عمران

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ قُلْ } ابتداء خطاب للهداية الى حقّ وصواب { إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ } جملة شرطيّة وفعل الشّرط محبّة العباد مقيّدة بالانتساب الى الله والتّمكين فيها المستفاد من تخلّل قوله (كنتم) فانّ الاتيان بلفظ كان فى امثال المقام للاشارة الى الاستمرار وكون الفعل كالسجيّة ومفهوم مخالفته انتفاء المحبّة المتعلّقة بالله الصائرة كالسجيّة وانتفاؤها امّا بانتفاء المقيّد او بانتفاء كلّ من القيدين { فَٱتَّبِعُونِي } جزاء للشّرط المذكور { يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ } جزاء للشّرط المقدّر المستنبط من الاتّباع الّلازم للمحبّة المقيّدة المذكورة والمقصود انّ محبوبيّتكم لله لازمة لاتّباع الرّسول (ص) بعد المحبّة الثّابتة الرّاسخة لله فمن لم يكن له محبّة كأكثر اهل الجبال والرّساتيق والاكراد والأعراب وغيرهم ممّن لا يعرفون من المحبّة الاّ حبّ المأكول والمشروب والوقاع، او كان له محبّة ما؛ لكن كان محبّته للارواح الخبيثة فقط او للارواح الخبيثة والطّيبة شاعراً بانّ محبّته للارواح الخبيثة كالابليسيّة والكهنة والثنويّة يعنى المحقّقين المكاشفين منهم او غير شاعر كالهنود المرتاضين بالمخالفات الشّرعيّة الظّانّين انّ عالم الارواح واحد وقالوا: انّ طريق الوصول اليه امّا طريق التأسيسات الشّرعيّة وهذا أبعد الطريقين، او طريق مخالفة النّواميس الشّرعيّة وهذا اقرب الطريقين، وكالمبايعين بالبيعة الخاصّة مع من لم يكن اهلاً للبيعة مثل اهل السّلاسل الباطلة الباقية آثارهم الحقّة فى ايدى المبطلين المتشبّهين بالمحقّين فانّ المبايعين لهؤلاء المبطلين كانت لهم محبّة صادقة وبعد انحرافهم الى المبطلين صارت محبّتهم محبّة شيطانيّة وكلّ هؤلاء الفرق محبّتهم للارواح الخبيثة ولمظاهرها الانسيّة شديدة وليست محبّة الإلهية وهؤلاء ومن لم يكن لهم محبّة اصلاً لا يصيرون محبوبين لله سواء اتّبعوا الرّسول (ص) ظاهراً او لم يتّبعوا، ومن كان له محبّة الإلهية لكن لم يكن محبّته راسخة كأكثر افراد الانسان الّذين لم يستهلك فطرتهم تحت البهيميّة والسبعيّة والشّيطنة فانّهم قد يتشأّنون بشأن المحبّة الالهيّة ويتألّمون من بعدهم عن الحضرة الالهيّة ويتحسّرون على تضييع أعمارهم فى غير الطّلب لتلك الحضرة لم يفوزوا بالمحبوبيّة ما لم - يتمكّنوا فى تلك المحبّة باتّباع رسولٍ حقّ من الله، نعم ان تمكّنوا فيها بسبب اتّباع رسول حقّ فازوا بالمحبوبيّة لله تعالى ومن كان متمكّناً فى المحبّة الالهيّة كالمجذوبين والمبتاعين بالبيعة الخاصّة مع من كان اهلاً للبيعة لكن لم يكونوا ذوى عناية بالشّريعة واتّباع من كان اهلاً لبيان احكام الكثرة لم يكن محبوباً لله تعالى وان لم يكن مبغوضاً له ايضاً، ومن كان متمكّناً فى المحبّة الالهيّة ثابتاً فى اتّباع الشّريعة كان محبوباً لله تعالى مغبوطاً لجملة المقرّبين وهذا تأديب من الله تعالى لاكثر السّلاك البائعين بالبيعة الخاصّة مع من كان اهلاً للبيعة المغترّين بالآيات والاخبار المثيرة للغرور مثل آية { { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } [فاطر: 32] (الى آخر الآية) ومثل آية: { { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } [البقرة:257] ومثل: حبّ علىٍّ حسنة لا يضرّ معها سيّئة، ومثل ولىّ علىٍّ (ع) لا يأكل الاّ الحلال، ومثل: اذا عرفت فاعمل ما شئت من قليل الخير وكثيره، ومثل: لا دين لمن دان الله بولاية امام جائر ليس من الله، ولا عتب على من دان الله بولاية امام عادل، ومثل قوله (ع): قال الله تعالى: لأعذّبنّ كلّ رعيّة فى الاسلام دانت بولاية كلّ امام جائرٍ ليس من الله وان كانت الرّعيّة فى اعمالها برّة تقيّة ولاعفونّ عن كلّ رعيّةٍ فى الاسلام دانت بولاية كلّ امام عادل من الله وان كانت الرعيّة فى انفسها ظالمة مسيئةً وغير ذلك من امثال ما فيه شبهة غرور فانّ هؤلاء وان فرض انّهم لم يكونوا مبغوضين لكن اين هؤلاء من المحبوبين فالسّالك ينبغى له ان يكون تمام اهتمامه باتّباع الشّريعة المطهّرة بحيث لا يشذّ عنه ادب من آدابه المستحبّة ولا يقنع بعدم المبغوضيّة حتّى فاز بدرجات المحبوبيّة { وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ }.
اعلم انّ اقتضاء المحبوبيّة ان لا يبقى فى نظر المحبّ نقص وشين من المحبوب بل كلّ ما فعل الحبيب كان حبيباً عنده ولذلك كان تعالى يجزيهم بأحسن ما كانوا يعملون لانّ تمام افعال الحبيب وجميع اوصافه واخلاقه تظهر فى نظر المحبّ مثل احسن افعاله واوصافه وهذا احد وجوه تبديل السيّئات حسناتٍ، وهذا احد معانى غفران الذّنوب فمن اراد ان يكون بجميع اعماله واوصافه محبوباً لله فليتّبع الرّسول بشرائط المتابعة ومواثيق المبايعة بعد ما نكت فى قلبه نقطة المحبّة وليحذر من مخالفة دقيقة من دقائق الشّريعة { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } جملة حاليّة مؤكّدة مشعرة بعلّة غفرانه لمحبوبه والمعنى انّه من شيمته المغفرة والرّحمة بالنّسبة الى كلّ احد فكيف يكون مغفرته لمن يكون محبوبه.