التفاسير

< >
عرض

مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ ٱلْفُرْقَانَ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ
٤
-آل عمران

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ مِن قَبْلُ } اى قبل القرآن او هذا الزّمان { هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ ٱلْفُرْقَانَ } أى القرآن، ويعلم من هذا انّ المراد بالكتاب فى اوّل الآية جملة الكتاب الّتى نزلت على قلبه (ص) فى ليلة القدر، او جملة احكام الرّسالة، او آثار الولاية الّتى فصّلت بالتّنزيل على مقام صدره وبالتّعبير بالعبارات النّفسيّة واللّفظيّة بالفاظ الكتاب الالهىّ والاخبار القدسيّة والنّبويّة فعلى هذا يكون الفرقان مصدراً بمعنى المفروق المفصّل او بمعنى الفارق المفصّل وقد فسّر فى اخبار كثيرة القرآن بجملة الكتاب، والفرقان بالمحكم الواجب العمل به؛ وهو يشعر بما ذكرنا وقد مضى بيانٌ للقرآن والفرقان ويستنبط ممّا ذكر وجه التّعبير بالتّنزيل فى تنزيل الكتاب وبالانزال فى انزال التّوراة والانجيل والفرقان؛ فانّ نزول الكتاب كان من مقام الاطلاق الى مقام التّقييد وكان محتاجاً الى كثير تعمّل من جانب القابل المستعدّ لنزوله بخلاف نزول التّوراة والانجيل والفرقان فانّها نزلت من مقام التّقييد الاجمالىّ الى مقام التّقييد التّفصيلىّ فلم تكن محتاجة الى كثير تعمّل ولذلك لم يأت فيها بالتّنزيل الدّالّ على المبالغة ولمّا صار المقام مقام السّؤال عن حال من كفر بالكتب اجاب تعالى بقوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } مؤكّداً بالتّأكيدات، والآيات اعمّ من الآيات الانفسيّة والآفاقيّة والتّدوينيّة فانّ شؤنات النّفوس ووارداتها الجسمانيّة والنّفسانيّة وموجودات العالم الكبير كلّها آيات جماله وجلاله تعالى، والمراد بالكفر بالآيات الكفر بها من حيث كونها آياتٍ لا من حيث ذواتها فى انفسها فانّ كثيراً من الكافرين بالآيات مشاهدون لذواتها غير ساترين لها مع انّهم كافرون بها من حيث انّها آيات { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ } جملة حاليّة او معطوفة فى مقام التّعليل والتّأكيد ومعنى عزّته تعالى انّه لا يمنعه مانع من مراده { ذُو ٱنْتِقَامٍ } من شأنه الانتقام ممّن خالفه وعصاه.