التفاسير

< >
عرض

قَالَ رَبِّ ٱجْعَلْ لِّيۤ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَٱذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ
٤١
-آل عمران

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ قَالَ رَبِّ ٱجْعَلْ لِّيۤ آيَةً } وقيل انّما قال ذلك ليتعرّف بها وقت الحمل ليزيد فى العبادة والشّكر او ليتعجّل السّرور به { قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ } لا تقدر على التكلّم { ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً } استثناء مفرّغ منقطع اى لكن ترمز اليهم رمزاً، او المراد بالتكلّم الافهام والاستثناء متّصل والمعنى آيتك ان لا تفهم النّاس ما فى ضميرك نحواً من الافهام الاّ افهام رمزا وفى حال من الاحوال الاّ رامزاً او رامزين وانّما حبس لسانه عن مكالمتهم خاصّةً دون ذكر الله ليخلص فى تلك المدّة لشكره وذكره قضاء لحقّ النّعمة، وهذا دليل على انّ طلب الآية كان لمعرفة وقت الحمل طلباً لازدياد الشّكر والذّكر.
{ وَٱذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً } يعنى فى تلك الايّام عرّفه انّ حبس لسانه عن الكلام بغير ذكر الله لا عن ذكر الله ليكثر ذكر الله فى تلك المدّة { وَسَبِّحْ بِٱلْعَشِيِّ } قيل من الزّوال الى الغروب، وقيل من العصر الى ذهاب صدر اللّيل وهذا هو المتبادر، وقيل: من الغروب الى ذهاب صدر اللّيل { وَٱلإِبْكَارِ } من طلوع الفجر الى الضّحى والتّسبيح بمعنى التّنزيه والتّطهير لكنّه اذا نسب الى الله يراد به تنزيهه من النّقائص مع عدم اعتبار تنزّهه عن النّسب والاضافات، او مع اعتبار النّسب والاضافات الى الكثرات كما سبق تحقيقه وتحقيق الفرق بينه وبين التّقديس فى اوّل سورة البقرة عند قوله
{ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ } [البقرة: 30].
تحقيق تسبيح الرّبّ وتسبيح اسم الرّبّ
اعلم انّ فى كلّ فرد من افراد بنى آدم بل فى كلّ جزء من اجزاء العالم لطيفة الاهية هى تربيّه وتحرّكه الى كمالاته الثّانويّة وتخرجه من القوى والاستعدادات المودعة فيه الى فعليّاته، وتلك اللّطيفة بوجهٍ ربّه وبوجهٍ اسم ربّه وقول الشّاعر:

دل هر ذرة را كه بشكافى آفتابيش در ميان بينى

وقول الآخر:

يكى ميل است با هر ذرّه رقّاص كشاند ذرّه را تا مقصد خاصّ
رساند كَلشنى را تا بكَلشن دواند كَلخنى راتا بكَاخن

اشارة الى هذه اللّطيقة وهذه محتجبة تحت اعدام الطّبع ورذائل النّفس، وتنزيهها عبارة عن تطهيرها عن الاعدام والنّقائص والرّذائل ولا يمكن ذلك الاّ بكثرة الذّكر المأخوذ ممّن كان مجازاً من الله بلا واسطة او بواسطة او بوسائط، ولذا أمر به بعد الامر بالذّكر الكثير وكلّما ذكر تسبيح مطلقاً او مقيّداً باسم الرّبّ او بالرّبّ او بالله واقعاً عليها بنفسه او متعلّقاً بها باللاّم او بالباء فالمراد تنزيه تلك اللّطيفة لانّها اسم للرّب وربّ ونازلة من الله والمراد { بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ } امّا تمام الاوقات فانّه قد يراد بذكر طرفى النّهار استغراق جميع الاوقات فى العرف، او خصوص طرفى النّهار فانّهما وقت نشاط النّفس واشتداد شوقها الى اصلها بخلاف جوف اللّيل ووسط النّهار فانّهما وقت كلال النّفس وفتور القوى ولا تقربوا الصّلاة وانتم كسالى.