التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ
٥٢
-آل عمران

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ } بعد ما دعاهم الى الله وأتمّ لهم الحجّة والمراد باحساس الكفر ادراكه اوّل الادراك ولذا فسّر فى الخبر بقوله (ع) لمّا سمع ورأى انّهم يكفرون { قَالَ } معرضاً عنهم مقبلاً على الله داعياً لمن يريد الموافقة له { مَنْ أَنصَارِيۤ } حمل الجمع على لفظ من باعتبار معناه اى من الّذين يذهبون معى بالاعانة لى { إِلَى ٱللَّهِ } او من انصارى مع الله لاظهار الدّين واعلانه؟ او من انصارى مع الله على معاداة الكفّار ومقاتلتهم؟ ويجوز ان يكون معيّة الله مع الانصار ومع المنصور؛ هكذا فسّرت الآية، لكنّ الاوّل هو المراد لانّه كما نقل كان كلّما احسّ من قوم كفراً ومعاداةً اعرض عنهم وفرّ منهم الى قوم آخر { قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ } سمّوا به لأنّهم كانوا قصّارين يبيّضون الثّياب روى انّهم اتّبعوا عيسى (ع) وكانوا اثنى عشر وكانوا اذا جاعوا قالوا: يا روح الله جعنا فيضرب بيده على الارض سهلاً كان او جبلاً فيخرج لكلّ انسان منهم رغيفين يأكلهما، واذا عطشوا قالوا: يا روح الله عطشنا فيضرب بيده على الارض سهلاً كان او جبلاً فيخرج ماءً فيشربون؛ قالوا: يا روح الله من افضل منّا اذا شئنا اطعمتنا، واذا شئنا سقيتنا، وقد آمنّا بك واتّبعنا قال: افضل منكم من يعمل بيده ويأكل من كسبه، فصاروا يغسلون الثّياب بالكرى او لانّهم كانوا مبيّضى الثّياب، او لانّهم كانوا انصاراً له فانّ الحوارىّ يطلق على النّاصر وعلى ناصر الانبياء، او لانّهم كانوا مبيّضى القلوب مخلصين فى أنفسهم ومخلصين غيرهم من دنس الذّنوب واصله الحوار اتّصل به الياء المشدّدة للمبالغة وكأنّه لم يستعمل فى هذه المعانى بدون الياء { نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ } كان اقتضاء التّوافق فى الجواب ان يقولوا: نحن انصارك الى الله لكنّهم عدلوا الى هذا للاشعار بانّ نصرته نصرة الله من غير فرق { آمَنَّا بِٱللَّهِ } استئناف بيانىّ فى مقام التّعليل او لبيان حالهم { وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } منقادون مطيعون، او المراد بالايمان الاذعان وبالاسلام البيعة العامّة، او المراد بالايمان والاسلام كليهما البيعة العامّة النبويّة وقبول دعوة الظّاهرة ثمّ صرفوا الخطاب عن عيسى (ع) وخاطبوا الله بقولهم { رَبَّنَآ آمَنَّا بِمَآ أَنزَلَتْ }.