التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي ٱلأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَآءُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٦
-آل عمران

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ هُوَ ٱلَّذِي يُصَوِّرُكُمْ } حال او مستأنف جواب لسؤالٍ تقديره؛ هل يعلم بواطن الاشياء فيهما؟ - او جواب لسؤالٍ عن علّة اثبات الحكم يعنى انّه يعلم ظواهر ما فى العالم لانّه هو الّذى يصوّركم { فِي ٱلأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَآءُ } فهو يعلم بواطن الاشياء وما لم يوجد بعد فكيف لا يعلم ظواهرها الّتى وجدت فى العالم، ولا اختصاص للارحام بأرحام الامّهات الجسمانيّة فانّ النّفوس الحيوانيّة والبشريّه ارحام للّطيفة السيّارة الانسانيّة الّتى يكون خطاب الله متوجّهاً اليها بل الموادّ البعيدة من الحبوب واللّحوم والبقول والفواكه الّتى تصير اغذية الاناسىّ والكيلوس والكيموس والدّماء الجارية فى العروق والاعضاء والدّماء المتشبّهة بالاعضاء ارحام للنّطف الّتى هى فى المراتب الجنينيّة ارحام للنّفوس الحيوانيّة والبشريّة واللّطيفة الانسانيّة والمراتب العالية للنّفس الانسانيّة كلّ بوجه رحم للاعلى منها ولذلك فسّر البطن فيما ورد من، انّ السّعيد سعيد فى بطن امّه؛ بالولاية، فانّ الانسان ما لم يدخل تحت الولاية التّكليفيّة بالبيعة الخاصّة الولويّة وقبول الدّعوة الباطنة حاله حال النّطفة فى صلب الرّجل وبعد الدّخول فى الولاية بالبيعة الخاصّة حاله حال النّطفة المستقرّة فى الرّحم ولا يظهر السّعادة والشّقاوة الاّ بعد الدّخول فى الولاية، ولذلك كان علىّ (ع) قسيم الجنّة والنّار، ومن لم يدخل فى الولاية لا يخرج من الدّنيا الاّ بعد عرض الولاية عليه وظهور علىٍّ (ع) لديه حتّى ينكر او يقبل؛ فيشقى او يسعد، روى عن الصّادق(ع): انّ الله اذا اراد ان يخلق خلقاً جمع كلّ صورة بينه وبين آدم (ع) ثمّ خلقه على صورة احداهن فلا يقولنّ احد هذا لا يشبهنى ولا يشبه شيئاً من آبائى، وفى حديث خلق الانسان وتصويره فى الرّحم؛ ثمّ يبعث الله ملكين خلاّقين يخلقان فى الارحام ما يشاء الله يقتحمان فى بطن المرأة من فم المرأة فيصلان الى الرّحم وفيها يعنى فى النّطفة الرّوح القديمة المنقولة فى اصلاب الرّجال وارحام النّساء فينفخان فيها روح الحياة والبقاء ويشقّان له السّمع والبصر وجميع الجوارح وجميع ما فى البطن باذن الله تعالى ثمّ يوحى الله الى الملكين: اكتبا عليه قضائى وقدرى ونافذا أمرى واشترطا لى البداء فيما تكتبان، فيقولان: يا ربّ ما نكتب؟ - قال: فيوحى الله عزّ وجلّ اليهما: ان ارفعا رؤسكما الى رأس أمّه فيرفعان رؤسهما فاذا اللّوح يقرع جبهة امّه فينظران فيه فيجدان فى اللّوح صورته وزينته واجله وميثاقه شقيّاً او سعيداً وجميع شأنه، قال: فيملى احدهما على صاحبه فيكتبان جميع ما فى اللّوح ويشترطان فيه البداء فيما يكتبان ثمّ يختمان الكتاب ويجعلانه بين عينيه ثمّ يقيمانه قائماً فى بطن امّه قال: فربّما عتا فانقلب ولا يكون ذلك الاّ فى كلّ عاتٍ او ماردٍ، واذا بلغ او ان خروج الولد (الى ان قال) فيزجره الملك زجرة فيفزع منها الولد فينقلب فيصير رجلاه فوق رأسه ورأسه فى اسفل البطن ليسهّل الله على المرأة وعلى الولد الخروج؛ الى آخر الحديث. واقتحام الملكين من فم المرأة كناية عن دخولهما عن الجهة الّتى بها بقاء الامّ وهى الجهة الغيبيّة والاّ فلا جهة لدخول الملك وخروجه فى عالم الطّبع لانّه خارج عن الجهات فلا يتحدّد بالجهات، وكتابة القضاء والقدر من اللّوح القارع جبهة الامّ كناية عن استنباط احوال ما بالقوّة عن المحلّ الّذى تلك القوّة فيه وتأثّر ما بالقوّة عن المحلّ بآثاره، واشتراط البداء لكون ما بالقوّة قد يتأثّر من الاسباب الخارجة عن المحلّ { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } حال او مستأنف فى موضع التّعليل { ٱلْعَزِيزُ } الّذى لا يمنعه مانعٌ عن تصوير ما يشاء فى الرّحم { ٱلْحَكِيمُ } الّذى لا يصوّره الاّ بصورة اقتضاها استعداده وتستعقب مصالح عائدة اليها او الى العالم.