التفاسير

< >
عرض

وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
١٥
يٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوْ فِي ٱلأَرْضِ يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ
١٦
-لقمان

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا } لمّا كان الوالدان التّكوينيّان كما مضى فى سورة البقرة والنّساء بحسب كلّ مرتبة من مراتب وجود الانسان وكلّ شأنٍ من شؤنه غير الوالدين بحسب المرتبة الاخرى والشّأن الآخر وهكذا بحسب التّكليف والاختيار كان الشّيطان والنّفس والديه كما انّ العقل والنّفس ومحمّداً (ص) وعليّاً (ع) كانا والديه، فكما يجوز ان يكون المراد بالوالدين الوالدين الجسمانيّين يجوز ان يراد بهما الوالدان الرّوحانيّان، وكما يجوز ان يراد بالوالدان التّكوينيّان يجوز ان يراد التّكليفيّان فجاز ان يراد بالوالدين فى قوله { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ } الجسمانيّان والرّوحانيّان، وبالضّمير فى قوله { وَإِن جَاهَدَاكَ } الجسمانيّان او الرّوحانيّان اللّذان هما والداه بحسب مقام جهله تكويناً او تكليفاً بطريق الاستخدام، وقد ورد اخبار كثيرة دالّة على انّ محمّداً (ص) وعليّاً (ع) افضل آباء هذه الامّة وانّ حقّهما اعظم من حقّ آبائهم الجسمانيّين، وانّ من ارضاهما ارضى الله والديه الجسمانيّين، فعن جعفر بن محمّد (ع): من رعى حقّ ابويه الافضل محمّدٍ (ص) وعلىٍّ (ع) لم يضرّه ما ضاع من حقّ ابوى نفسه وسائر عباد الله فانّهما يرضيانهما بشفاعتهما، وعن علىّ بن محمّدٍ (ع): من لم يكن والدا دينه محمّد (ص) وعلىّ (ع) اكرم عليه من والدى نسبه فليس من الله فى حلٍّ ولا حرامٍ ولا قليلٍ ولا كثيرٍ، وعن امير المؤمنين (ع) انّه قال: الوالدان اللّذان اوجب الله لهما الشّكر هما اللّذان ولّدا العلم وورّثا الحكم، وامر النّاس بطاعتهما ثمّ قال: الىّ المصير فمصير العباد الى الله والدّليل على ذلك الوالدان ثمّ عطف على ابن حَنتمة وصاحبه فقال فى الخاصّ والعامّ: وان جاهداك ان تشرك بى يقول فى الوصيّة وتعدل عمّن امرت بطاعته فلا تطعهما ولا تسمع قولهما، ثمّ عطف القول على الوالدين فقال: { وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً }، يقول عرّف النّاس فضلهما وادع الى سبيلهما وذلك قوله { وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ } قال الى الله ثمّ الينا فاتّقوا الله ولا تعصوا الوالدين فانّ رضاهما رضا الله وسخطهما سخط الله، وقد ورد اخبار كثيرة فى حفظ حقّ الوالدين الجسمانيّين ايضاً وطاعتهما والتّرحّم عليهما والدّعاء لهما وان كانا لا يعرفان الحقّ، روى انّه جاء رجل الى النّبىّ (ص) فقال: اوصنى، فقال (ص): لا تشرك بالله شيئاً وان حُرقت بالنّار الاّ وقلبك مطمئنّ بالايمان ووالديك فأطعهما وبرّهما حيّين كانا او ميّتين وان امراك ان تخرج من اهلك ومالك فافعل فانّ ذلك من الايمان، وعن الصّادق (ع): برّ الوالدين واجب وان كانا مشركين ولا طاعة لهما فى معصية الخالق ولا لغيرهما فانّه لا طاعة لمخلوقٍ فى معصية الخالق { وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً } صحاباً معروفاً يعرفه العقلاء بالحسن، والمعروف بالنّسبة الى انواع الوالدين يختلف فانّ المعروف بالنّسبة الى محمّدٍ (ص) وعلىٍّ (ع) ان لا نخالف قولهما لا فى الظّاهر ولا فى الباطن وان تطيعهما فى كلّ ما امراك به، وان تحبّهما وتبايع معهما، وترابط معهما المرابطة القلبيّة بان تكون متوجّهاً اليهما ومتذكّراً لهما ومصوّراً لصورتهما فى كلّ حالٍ، والمعروف بالنّسبة الى والديك الجسمانيّين لا يخفى على احدٍ { وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ } يعنى لا يكن صحابتك المعروفة مخرجة لك من طريق الولاية وصارفة لك من توجّهك الى طريق قلبك فانّ الاهتمام بشأن الوالدين ليس الاّ لسلامة البقاء على طريق القلب وطريق الولاية فلا يكن اهتمامك بالوالدين مخرجاً لك عن الولاية { ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ يٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ } ضمير انّها للقصّة او للاشراك والتّأنيث باعتبار الخير الّذى هو مثقال حبّةٍ فانّ المثقال بصحّة سقوطه يكسب التّأنيث من المضاف اليه، او باعتبار الخصلة كأنّه قال: انّ خصلة الاشراك، وقيل: انّ الضّمير للعمل سيّئة كان او حسنةً باعتبار الخصلة، وقرئ مثقال بالرّفع بجعل الضّمير للقصّة وكون كان تامّة { فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ } يعنى تكن فى جوف اصلب الاشياء { أَوْ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ } يعنى فى ابعد الاماكن { أَوْ فِي ٱلأَرْضِ } اى فى اقرب الاماكن اليكم { يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ } يحضرها ويحاسب عليها، قيل: انّ ابن لقمان سئل فقال: أرأيت الحبّة تكون فى مقل البحر ايعلمها الله؟- فقال: انّها اى الحبّة الّتى سألتها ان تك مثقال حبّةٍ (الآية)، وقيل: انّ المراد انّ الرّزق ان كانت مثقال حبّةٍ من خردلٍ يأتيك بها الله { إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ } فى علمه وعمله فيعلم مثقال حبّة من خردلٍ وان كانت فى اخفى الاماكن واصلبها او ابعدها او اقربها ويقدر على الاتيان بها من تلك الاماكن لدقّته فى علمه { خَبِيرٌ } ويجوز ان يكون المراد باللّطيف لطفه فى عمله، وبالخبير لطفه فى علمه، وعن الصّادق والباقر (ع): اتّقوا المحقّرات من الذّنوب فانّ لها طالباً لا يقولنّ احدكم اذنب واستغفر الله انّ الله يقول: ان تك مثقال حبّةٍ من خردلٍ (الآية).