التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ
٣٤
-لقمان

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ إِنَّ ٱللَّهَ } لا غيره { عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } عن الصّادق (ع) هذه الخمسة اشياء لم يطّلع عليها ملكٌ مقرّب ولا نبىّ مرسل وهى من صفات الله تعالى، وفى نهج البلاغة فهذا هو علم الغيب الّذى لا يعلمه أحد الاّ الله، وقيل: انّ الحارث بن عمرو اتى رسول الله (ص) فقال: متى قيام السّاعة؟ وانّى قد القيت حبّاً فى الارض فمتى السّماء تمطر؟ وحمل امرأتى ذكرٌ ام انثى؟ وما اعمل غداً؟ واين اموت؟ فنزلت هذه الآية.
اعلم، انّ فى الاخبار دلالة على انحصار علم هذه الاشياء الخمسة فى الله واستدلّوا على الانحصار بهذه الآية وقد بلغ الينا انّ الانبياء واوصياءهم (ع) وبعض اتباعهم كانوا يخبرون ببعض هذه الخمسة، وظاهر هذه الآية لا تدلّ على ثبوت العلم لله تعالى فى موت الانفس ومحلّ موتها فضلاً عن الدّلالة على حصر العلم به فيه تعالى فنقول: قد فسّرت السّاعة بساعة الموت والاحتضار، وهى القيامة الصّغرى، وبساعة ظهور القائم (ع) وبالقيامة الكبرى، وانّ السّاعة من السّوع بمعنى الضّياع والهلاك، وكلّ ذلك فيه معنى الضّياع لضياع التّعيّنات عند الموت وعند ظهور القائم (ع) وعند القيامة الكبرى، امّا ساعة الموت فقد كانوا يخبرون عنها بل الحذّاق من الاطبّاء كانوا يخبرون عنها، وامّا ظهور القائم (ع) فانّه ملازم للموت الاختيارىّ او الاضطرارىّ لانّه من يمت يره ويظهر القائم (ع) ايضاً عند القيامة الكبرى، والقيامة الكبرى لا يعلمها النّبىّ والوصىّ والمؤمن من حيث نبوّته ووصايته وايمانه، ولكن لمّا كان للآلهة درجاتٌ والكاملون بعد الخروج من جهة خلقيّتهم يسيرون فى الجهة الحقّيّة ودرجات الآلهة حتّى يقفوا بعد الكمال على الاعراف، والاعراف مقام القيامة الكبرى، لم يكن استبعاد فى علمهم بساعة القيامة الكبرى للعباد من حيثيّة الآلهة لا من الحيثيّة الخلقيّة وتنزيل الغيث والعلم بوقت نزوله ومكانه وقدره قد يجيء من الانبياء واوصيائهم (ع) واتباعهم لكن لا من الحيثيّة الخلقيّة بل من حيثيّة الآلهة، وهكذا الحال فى البواقى، فالعلم بهذه الخمسة وبكلّ ما غاب عن المدارك البشريّة ليس الاّ لله سواء كان العلم بها فى المظاهر الالهيّة او فى مقام المشيّة او فى مقام الاحديّة، ونسب الى الائمّة انّهم قالوا: انّ هذه الاشياء الخمسة لا يعلمها على التّفصيل والتّحقيق الاّ الله، وامّا دلالة الآية على علمه تعالى وحصر العلم بها فيه تعالى فنقول: تقديم المسند اليه وتقديم الظّرف فى قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } يدلّ على الحصر، وعطف ينزّل الغيث على المسند يدلّ على حصر تنزيل الغيث، وتنزيل الغيث مستلزم للعلم به، والعدول عن علم تنزيل الغيث للاشارة الى حصر تنزيل الغيث مع الاشارة الى العلم به وقوله { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ } مع قوله: ما تدرى نفسٌ يدلّ على حصر العلم بموت الانفس ومحلّ موتها فيه تعالى.