التفاسير

< >
عرض

ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً
٦
-الأحزاب

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } مستأنف جوابٌ لسؤالٍ ناشٍ من نفى بنوّة زيد لمحمّد (ص) وانّ نسبة البنوّة لمحمّدٍ (ص) قولٌ بافواههم من غير حقيقةٍ له كأنّه قيل: اذا لم يكن لنسبة بنوّة زيدٍ الى محمّدٍ (ص) حقيقة فما النّسبة بينه وبين امّته حتّى يقال: انّه ابو امّته؟- فقال تعالى جواباً لهذا السّؤال: انّ المنفىّ هو الابوّة الجسمانيّة والاحكام الشّرعيّة القالبيّة من حرمة نكاح حليلة الابن انّما هى للابوّة والبنوّة الجسمانيّتين وامّا الابوّة الرّوحانيّة الّتى تحصل بحصول صورة من الاب فى وجود الابن بواسطة البيعة العامّة او الخاصّة وبتلك الصّورة يحصل نسبة الابوّة والبنوّة فانّما هى ثابتة له (ص) بالنّسبة الى كلّ الامّة، ولمّا كانت تلك الكيفيّة الحاصلة بالبيعة صورةً نازلةً منه (ص) وهى تصير الفعليّة الاخيرة للابن وشيئيّة الشّيء تكون بالفعليّة الاخيرة وتلك الفعليّة تكون اولى باسم ذلك الشّيء من سائر فعليّاته السّابقة لاستهلاكها تحت تلك الفعليّة وتكون تلك الفعليّة صورة نازلة من محمّد (ص) كان محمّدٌ (ص) اولى بمن باع معه احدى البيعتين من سائر فعليّاته التّى تنسب اليه وتكون نفسه عبارة عنها فالنّبىّ يكون اولى بالمؤمنين من انفسهم فى جميع ما ينسب اليهم من الاعمال والاقوال والاحوال والاخلاق والاحكام والآلام، ولا تظنّن انّه (ص) حينئذٍ يكون اولى بهم فى معاصيهم لانّ المعاصى ناشئة عن الحدود والنّقائص، والحدود والنّقائص انّما هى ناشئة من الفعليّات السّابقة وراجعة الى الاعدام لا الى الفعليّات فأنفسهم تكون اولى بها من الفعليّة الاخيرة وقد سبق فى سورة البقرة عند قوله تعالى: { { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [البقرة:83] تحقيق وتفصيل تامّ للولادة الرّوحانيّة، ومن هذا يعلم انّ خلفاء محمّدٍ (ص) الّذين كانوا مأمورين بأخذ البيعة العامّة او الخاصّة عن الخلق كانوا اولى بمن بايعوا معهم من انفسهم مثل محمّدٍ (ص) وكانوا آباء لمن آمنوا بهم من غير فرقٍ ولذلك ورد: انّ الائمّة كانوا بعد محمّدٍ (ص) اولى بالمؤمنين مثل محمّدٍ (ص) من انفسهم { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } قرأ الصّادق (ع) ههنا: وهو ابٌ لهم.
بيان فى الابوّة الرّوحانيّة والقالبيّة
اعلم، انّه (ص) لمّا صار بحسب مقام بشريّته محكوماً بحكم روحه بحيث لم يكن له بحسب مقام قالبه الاّ آثار روحه وكان نسبته الى امّته نسبة الابوّة كان جارياً على قالبه حكم الابوّة الرّوحانيّة فكان ازواجه بالنّسبة الى امّته مثل ازواج الآباء بالنّسبة الى الاولاد ولذلك كنّ محرّماتٍ على امّته وان كانت امّته بالنّسبة اليه بحسب مقام بشريّتهم غير محكومين بحكم الفعليّة الاخيرة الّتى كانوا بحسبها ابناءً له فلا يجرى على قوالبهم حكم ارواحهم ولم يكن ازواجهم بالنّسبة اليه مثل ازواج الابناء بالنّسبة الى الآباء، مع انّه (ص) بحسب قالبه حكمه بالنّسبة اليهم حكم الآباء بالنسبة الى الاولاد ولذلك قال تعالى شأنه:
{ { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ } [الأحزاب: 40] يعنى انّه ابٌ لجهاتهم الرّوحانيّة ورجالكم الّذين هم محكومون بحكم القوالب غير منسوبين اليه بالبنوّة فليس هو اباً لرجالكم القالبيّة وان كان اباً لامّته من حيث انّهم رجال روحانيّون آلهيّون ولذلك قال تعالى: النّبىّ اولى بالمؤمنين يعنى من حيث ايمانهم وازواجه امّهاتهم يعنى امّهات المؤمنين من حيث ايمانهم، لا يقال: ان كان الرّسول (ص) بحسب قالبه محكوماً بحكم زوجه فينبغى ان لا يجوز له نكاح نساء امّته ولا نكاح ازواج امّته لانّا نقول: هو (ص) محكومٌ بحسب قالبه بحكم روحه لكنّ امّته ليسوا محكومين بحكم ارواحهم فلم تكن امّته اولاداً له بحسب قوالبهم وشرف امومة المؤمنين وشرف مضاجعة الرّسول (ص) مانع من ان لا تكون ازواجه امّهاتٍ للامّة ومحرّماتٍ عليهم بحسب قوالبهم، ولكن ليس هذا الحكم اى جريان حكم النّسبة الرّوحانيّة على القوالب الجسمانيّة جارياً بين المؤمنين والمهاجرين يكون بعض منهم اولى ببعضٍ من قراباتهم الجسمانيّة فى الوصاية اوفى الامارة او فى الارث او غير ذلك بل { وَأُوْلُو ٱلأَرْحَامِ } الجسمانيّة { بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ } فى ذلك من الاقرباء الرّوحانيّة { فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } اى القرآن او مطلق كتبه المنزلة من السّماء او فى كتابه العلوىّ من اللّوح المحفوظ ولوح المحو والاثبات او فى مفروض الله او فى احكام الرّسالة، وقد مضت الآية فى آخر سورة الانفال وقد ذكر ههنا موافقاً لما ورد فى الاخبار انّها نزلت لنسخ التّوارث بالهجرة والنّصرة لكن لا اختصاص لها بالتّوارث ولا بالامامة ولا بسائر الحقوق بل تجرى فى كلّ حقٍّ واحسانٍ وانفاقٍ، وما ورد ههنا انّها نزلت فى الامرة وانّها جرت فى ولد الحسين (ع) من بعده بيان لاهمّ مواردها { مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ } ذكر المهاجرين بعد المؤمنين من قبيل ذكر الخاصّ بعد العامّ للاهتمام بالخاصّ ولفظة من بيان لاولى الارحام او هى التّفضيليّة { إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً } استثناء متّصل مفرّغ يعنى انّ اولى الارحام بعضهم اولى ببعضٍ فى كلّ الامور الاّ فى فعلتكم الى اوليائكم فى الدّين معروفاً فانّهم حينئذٍ يصيرون اولى بتلك الفعلة من اولى الارحام او فى كلّ حالٍ الاّ فى حال ان تفعلوا، او استثناء منقطع يعنى لكن فعلتكم الى اوليائكم معروفاً تكون حسناً والمراد بالفعلة المعروفة الوصيّة وجعل الاولياء اوصياء، او الوصيّة بشيءٍ للاولياء { كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً } اى فى الكتاب العلوىّ من اللّوحين او فى الكتاب التّدوينىّ الآلهىّ النّازل اليكم من القرآن والكتب السّالفة.