التفاسير

< >
عرض

وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ
٤٠
قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ أَكْـثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ
٤١
-سبأ

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ } عطف على محذوفٍ متعلّق بيخلقه او بخير الرّازقين اى فى الدّنيا ويوم نحشرهم او متعلّق بمحذوف عطف على قل اى اذكر يوم نحشرهم { جَمِيعاً } الاتباع والمتبوعين فى الضّلالة { ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ } اختار الملائكة من بين المعبودين بالذّكر لانّهم اشرف المعبودين وابصرهم بحال العابدين واعلمهم بنيّاتهم، وما اجابوا كان ذلك جواب السّائرين سواء كانوا شاعرين او غير شاعرين { أَهَـٰؤُلاَءِ } المدّعون لعبادتكم { إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ قَالُواْ سُبْحَانَكَ } عن شراكة امثالنا { أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ } نزّهوا الله تعالى اوّلاً عن شراكة امثالهم وانكروا الرّضا بعبادتهم ثانياً واضربوا عن ذلك وعن عبادتهم لهم المستفادة من تنزيه الله ومن اظهار عدم الرّضا بفعلهم واثبتوا عبادتهم للجنّ { أَكْـثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ } لا بنا وانّما اشتبه عليهم الجنّة والملائكة ووهموا فى ذلك وعبدوا الجنّة بزعم انّهم الملائكة.
بيان للاتّصال بالملكوتين العليا والسّفلى
اعلم، انّه قد تكرّر فيما سبق انّ عالم الطّبيعة واقعٌ بين الملكوتين العليا والسّفلى، وانّ عالم الجنّ مثل عالم الملائكة محيط بالدّنيا ومتصرّف فيها، وانّه لا فرق فى ذلك بين الجنّة والملائكة، ولذلك اشتبه على الملائكة حال ابليس فظنّوا انّه منهم، وانّ من راض نفسه بقلّة الطّعام والشّراب والنّوم والكلام والعزلة عن الخلق، فان كان بأمر آمرٍ الهىٍّ يتّصل بعالم الملائكة ويتشبّه بهم فى الاحاطة والاطّلاع على ما لم يطّلع عليه البشر والتّصرّف فى العناصر ومواليدها باىّ تصرّفٍ شاء وتقليب الاعيان عن وجوهها على انّه يخبره الملائكة ويعينونه فيما لم يقدروا على العلم به والتّصرّف فيه وان لم يكن رياضته بأمر آمرٍ الهىٍّ او كان لكنّه خرج عن تحت امره واستبدّ فى رياضته ومشاهدته برأيه سواءٌ كان تحت امر آمرٍ شيطانىٍّ او لم يكن، وسواء كان رياضته بطريق الشّرائع وعلى قانون النّواميس الالهيّة او لم تكن اتّصل لا محالة بعالم الجنّة والشّياطين، وتشبّه بهم فى الاحاطة والتّصرّف، وقدر على ما لم يقدر غيره، وعلم ما لم يعلمه غيره، وعَبَد المتصرّف فى العالم المشهود له بظنّ انّه الله او انّه ملكٌ عظيمٌ من ملائكة الله وسمّى عبادته عبادة الملك ولذلك انكر الملائكة عبادتهم لهم واثبتوا عبادتهم للجنّ، واعلم ايضاً، انّ كلّ عابدٍ غير الله لا يعبده الاّ باطاعة الشّيطان المعنوىّ سواء كان المعبود الّذى هو غير الله ملائكة الله او غيرهم من الجماد والنّبات والحيوان والانسان والجانّ والشّيطان، فالعابد غير الله يعبد اوّلاً الشّيطان وبعبادة الشّيطان يعبد غير الله فهو فى عبادة غير الله عابد للشّيطان حقيقة لا لمعبوده لانّه لولا الشّيطان لم يعبده.