التفاسير

< >
عرض

وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ
٧٨
قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ
٧٩
-يس

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً } هو قوله من يحيى العظام بعد اخذها وتفتيتها { وَنَسِيَ خَلْقَهُ } من نطفة بلا سبق اثرٍ منه والحال انّ احياءه بعد بقاء روحه وسائر آثاره من المادّة والبدن المثالىّ والنّفس الحيوانيّة والنّفس الانسانيّة والرّوح والعقل اسهل { قَالَ مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ } من دون اثرٍ منها { وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } فيعلم ما بقى منها ممّا ذكرنا ويعلم كيفيّة وصلها وفصلها ووضعها فى مواضعها.
اعلم، انّ الانسان له بدن طبيعىّ هو مركب لبدنه المثالىّ وله بدن مثالىّ هو مركب لنفسه الحيوانيّة وهى مركب لنفسه الانسانيّة وهى مركب لروحه وعقله، والباقى منه هو عقله وروحه ونفسه الانسانيّة ونفسه الحيوانيّة وبدنه المثالىّ والفانى منه هو بدنه الطّبيعىّ وهو مادّة معتبرة فى الانسان بنحو الابهام، وانّما التّشخّص والتّحصّل له ليس الاّ بتلك المراتب الباقية، الا ترى انّ بدنه الطّبيعىّ من اوّل استقرار نطفته الى آخر عمره فى الفناء والانحلال والبتّة لا يبقى منه شيءٌ الى آخر عمره ومع ذلك هو هو من غير تبدّلٍ لشخصيّته وتحصّله، وذلك لما كرّرنا ذكره انّ شيئيّة الشّيء هى فعليّته الاخيرة وما - سوى فعليّته الاخيرة مأخوذة بنحو الاجمال فى شخصيّته، وفى الاخبار اشعارٌ بما ذكر فانّه ورد عنهم (ع): انّ اجزاءه الاصليّة تبقى مستديرةً عند صدره يعنى انّ اجزاءه الغير الاصليّة غير معتبرة فيه بنحو التّفصيل، وعن الصّادق (ع): انّ الرّوح مقيمة فى مكانها، روح المحسن فى ضياءٍ وفسحةٍ وروح المسيء فى ضيقٍ وظلمةٍ، والبدن يصير تراباً كما منه خلق، وما تقذف به السّباع والهوامّ من اجوافها ممّا اكلته ومزّقته كلّ ذلك فى التّراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرّةٍ فى ظلمات الارض، ويعلم عدد الاشياء ووزنها، وانّ تراب الرّوحانيّين بمنزلة الذّهب فى التّراب، فاذا كان حين البعث امطرت الارض مطر النّشور فتربوا الارض ثمّ تمخض مخض السّقاء فيصير تراب البشر كمصير الذّهب من التّراب اذا غسل بالماء، والزّبد من اللّبن فيجمع تراب كلّ قالب الى قالبه فينتقل باذن الله القادر الى حيث الرّوح فتعود الصّور باذن المصوّر كهيئتها وتلج الرّوح فيها فاذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئاً، وعنه (ع) فى نزول الآية قال: جاء اُبىّ بن خلف فاخذ عظماً بالياً من حائطٍ ففتّه ثمّ قال: يا محمّد (ص) اذا كنّا عظاماً ورفاتاً ائنّا لمبعوثون خلقاً؟ فنزلت { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلأَخْضَرِ نَاراً... }.