التفاسير

< >
عرض

فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَـآبٍ
٢٥
يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ ٱلْحِسَابِ
٢٦

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ } التّبادر { وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ } قربة { وَحُسْنَ مَـآبٍ يٰدَاوُودُ } على طريق الحكاية اى قلنا يا داود { إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً } لنا او للانبياء والملوك الماضين { فِي ٱلأَرْضِ فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ } قد سبق فى سورة لقمان بيانٌ ما لخلافة داود (ع) فى ذيل بيان حال لقمان (ع) وحكمته وعن الرّضا (ع) فى بيان عصمة الانبياء، وامّا داود (ع) فما يقول من قبلكم فيه؟- فقيل يقولون: انّ داود (ع) كان يصلّى فى محرابه اذ تسوّر له ابليس على صورة طيرٍ احسن ما يكون فقطع داود صلٰوته وقام ليأخذ الطّير فخرج الطّير الى الدّار فخرج فى اثره فطار الطّير الى السّطح فصعد فى طلبه فسقط الطّير فى دار اوريا بن حيّان، فاطّلع داود فى اثر الطّير، فاذا بامرأة اوريا تغتسل فلمّا نظر اليها هويها وكان قد اخرج اوريا فى بعض غزواته فكتب الى صاحبه ان قدّم اوريا امام التّابوت فقدّم فظفر اوريا بالمشركين فصعب ذلك على داود (ع) فكتب اليه ثانية ان قدّمه امام التّابوت فقدّم فقتل اوريا فتزوّج داود بامراته، قال: فضرب الرّضا (ع) يده على جبهته وقال: انّا لله وانّا اليه راجعون.! لقد نسبتم نبيّاً من انبياء الله الى التّهاون بصلٰوته حتّى خرج فى اثر الطّير ثمّ بالفاحشة ثمّ بالقتل، فقيل: يا بن رسول الله (ص) فما كانت خطيئته؟ فقال: ويحك! انّ داود (ع) انّما ظنّ انّه ما خلق الله عزّ وجلّ خلقاً هو اعلم منه، فبعث الله عزّ وجلّ اليه الملكين فتسوّر المحراب فقالا له: خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحقّ ولا تشطط واهدنا الى سواء الصّراط انّ هذا اخى له تسع وتسعون نعجة ولى نعجة واحدة فقال: اكفلنيها وعزّنى فى الخطاب فعجلّ داود (ع) على المدّعى عليه فقال: لقد ظلمك بسؤال نعجتك الى نعاجه ولم يسأل المدّعى البيّنة على ذلك ولم يقبل على المدّعى عليه فيقول له: ما تقول؟- فكان هذا خطيئته رسم حكم لا ما ذهبتم اليه، الا تسمع الله يقول: يا داود انّا جعلناك خليفة فى الارض فاحكم بين النّاس بالحقّ (الى آخر الآية) فقيل: يا بن رسول الله (ص) فما قصّته مع اوريا؟- قال الرّضا (ع): انّ المرأة فى ايّام داود (ع) كانت اذا مات بعلها او قتل لا تتزوّج بعده ابداً فاوّل من اباح الله تعالى ان يتزوّج بامرأةٍ قتل بعلها، داود (ع)، فتزوّج بامرأة اوريا قتل وانقضت عدّتها فذلك الّذى شقّ على اوريا والاخبار فى انكار ماروته العامّة كثيرة عن ائمّتنا (ع) حتّى انّه روى عن امير المؤمنين (ع) انّه: من حدّث بحديث داود على ما يرويه القصّاص جلدته مائة وستّين جلّدة، يعنى جلدته حدّين للمفترى، وفى خبر عنه حدّاً للنّبوّة وحدّاً للاسلام وروى عنهم تصديق ما روته العامّة ايضاً وقد ذكر فى بيان الحكم بين النّاس بالحقّ ان يكون المدّعى والمدّعى عليه عند الحاكم متساويين فى النّظر والتّكلّم والمجلس والبشر، وقد ذكر انّ الحكم بالحقّ ان يكونا متساويين فى ميل القلب بمعنى انّه يكون ميل قلبه من حيث حكومته ومن حيث احقاق الحقّ اليهما متساوياً لا انّه يحبّ ان يكون الحقّ لاحدهما، ولا يختلف الحال عنده ايّهما كان محقّاً، ولا يبعد ان يكون قوله تعالى { وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ } تلويحاً اليه فانّ النّهى عن اتّباع الهوى يشير الى النّهى عن الهوى وميل النّفس الى احدهما من باب المقدّمة { فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } وهو الحكم بالحقّ { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ ٱلْحِسَابِ } واتّبعوا هوى النّفس.