التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فَبَشِّرْ عِبَادِ
١٧
ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَاهُمُ ٱللَّهُ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمْ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ
١٨
-الزمر

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّاغُوتَ } مقابل قوله الّذين خسروا وفى موقع انّ الرّابحين كذا لكنّه عدل الى هذا لبيان ما فيه الرّابح { أَن يَعْبُدُوهَا } بدل من الطّاغوت { وَأَنَابُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ } ولمّا كان الطّاغوت مفسّرة ببعض اعداء علىٍّ (ع) فليكن المراد بالانابة الى الله التّوبة على يد علىٍّ والبيعة معه وهو كذلك لانّ الرّجوع الى الله ليس الاّ بالسّير الى طريق القلب، ولا يعلم طريق القلب ولا يفتح الاّ بالولاية التّي هي البيعة على يد ولىّ الامر، والاصل في ذلك هو علىّ (ع) { فَبَشِّرْ عِبَادِ ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } وضع الظّاهر موضع المضمر تشريفاً لهم باضافتهم اليه وترغيباً وتوصيفاً لهم بوصف مدحٍ تشويقاً لهم الى ذلك الوصف والاهتمام بالعبوديّة.
بيان اتّباع احسن القول وتحقيقه
واعلم، انّ القول يطلق على الاقوال اللّفظيّة والاقوال النّفسيّة والكلمات الوجوديّة الّتى هى بالنّسبة الى الله تعالى كالاقوال النّفسيّة بالنّسبة الينا واللاّم فى القول امّا للجنس ولمّا لم يكن استماع الجنس الاّ فى ضمن الافراد فالمراد به امّا استغراق الافراد بنحو العموم الجمعىّ او بنحو العموم البدلىّ لكن مع التّقييد بما يخرجه عن المحاليّة ويكون المعنى والتّقدير: الّذين يستمعون جميع الاقوال الّتى يتّفق سماعها لهم، او الّذين يستمعون كلّ قولٍ يتّفق سماعه لهم بقرينة الحال وتقدّم الاستماع، او المراد به فرد منكّرٌ من القول ويكون المعنى والتّقدير: الّذين يستمعون قولاً منكّراً لا يمكن تعريفه وهو قول الولاية وهذا الوجه بحسب اللّفظ بعيد، او اللاّم فيه للعهد والمنظور من القول المعهود هو علىّ (ع) وولايته، ولمّا كان الاقوال دوالّ المعانى لم يكن المنظور منها ومن حسنها الاّ حسنها بحسب المدلولات لانّ الدّالّ على الشّيء لا يحكم عليه ولا به من حيث انّه دالّ كما انّ الاسم من حيث انّه اسم لا يحكم عليه ولا به فعلى هذا لم يكن المقصود من حسن الاقوال حسنها بحسب الفاظها بل حسنها بحسب مدلولاتها، والمقصود من اتّباع الاحسن ان كان المراد من القول الاستغراق اتّباع اوامره ونواهيه بالامتثال والانتهاء، والاتّعاظ بمواعظه ونصائحه، والاعتبار بحكاياته وامثاله، ولمّا لم يمكن لكلّ احدٍ اتّباع الاحسن المطلق فالمراد بالاحسن الاحسن بالاضافة فانّه ورد فى الكتاب والسّنّة الامر بالاقتصاص من المسيء والامر بكظم الغيظ والصّفح اى عدم الحقد على المسيء والاحسان اليه وهذه اوامر اربعة مترتّبة فى الفضيلة ويأمر النّفس بالاقتصاص والزّيادة على اساءته، ومن النّاس من لا يمكنه كظم الغيظ فان امر بكظم الغيظ كان امراً بالمحال فالاحسن فى حقّه الاقتصاص وعدم التّجاوز منه الى الزّيادة، فلو استمع سامع تلك الاقوال الخمسة وميّز بين حقّها وباطلها وحسنها واحسنها بالاضافة اليه واتّبع ما هو احسن بالنّسبة اليه كان ممّن استمع القول واتّبع احسنها سواء كان ممّن كان الاحسن بالنّسبة اليه القصاص او كظم الغيظ او الصّفح والاحسان الى المسيء، او المراد اتّباع احسنه بحسب حكايته فانّ الحكاية بلفظه احسن من الحكاية بمعناه، والحكاية بالمعنى بالاتيان بتمام المعانى احسن من الحكاية ببعض معانيه كما عن الصّادق (ع) هو الّذى يسمع الحديث فيحدّث به كما سمعه، لا يزيد فيه ولا ينقص منه، وهذا احد وجوه الآية، او المقصود من اتّباع احسن الاقوال اتّباع احسن جهاتها فانّ لكلّ قولٍ يسمعه السّامع جهة لتقوية نفسه وجهة لتقوية عقله، وبعبارةٍ اخرى كلّ قولٍ يسمعه السّامع امّا يسمعه بسمع نفسه او بسمع عقله واتّبع حكم العقل فيه كان ممّن اتّبع احسن جهاته، وان كان المراد به الولاية وصاحبها فالمقصود من اتّباع احسنها احسن جهاتها فانّ للولاية جهةً الى الكثرات واحكام الرّسالات وجهة الى الوحدة وآثارها، واذا دار الامر بين اتّباع جهة الوحدة وجهة الكثرة فليرجّح جهة الوحدة وهي احسن جهاتها، وهكذا الامر اذا دار الامر بين اتّباع خليفة الرّسالة وخليفة الولاية وهما الشّيخان فى الرّواية والطّريقة فليرجّح شيخ الطّريق اذا كان الانسان فارغاً من احكام قالبه، واذا لم يكن عالماً باحكام قالبه فليرجّح شيخ الرّواية، واذا كان محتاجاً اليهما فى احكامهما فليرجّح كلّ من كان حاجته اليه اشدّ، فانّه احسن الاقوال بالنّسبة اليه، وهكذا فى اتّباع جهات الولاية والرّسالة { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَاهُمُ ٱللَّهُ } الى الولاية فتمسّكوا بها فانّ الهداية ليست الاّ بالتّوسّل بالولاية بالبيعة الخاصّة الولويّة { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمْ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } بتلقيح الولاية كما مرّ مراراً.