التفاسير

< >
عرض

قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ
٥٣
وَأَنِـيبُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
٥٤
-الزمر

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ قُلْ يٰعِبَادِيَ } قد مضى انّ الخطاب للعباد من محمّد (ص) بياعبادى فى محلّه فانّ عباد الله كما انّهم عبادٌ لله عبد عبوديّة عباد لمظاهره عبد طاعةٍ، على انّ حكم الظّاهر قد ينسب الى المظهر اذا انسلخ المظهر من انانيّته وظهر فيه انانيّة الظّاهر كما انّ حكم المظهر قد ينسب الى الظّاهر ويشهد لذلك قوله تعالى: { { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ، وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ } [الأنفال:17] وقوله { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ } [التوبة:14] وقوله { { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [التوبة:111] وقوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } [الفتح:10] وقوله { أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ ٱلصَّدَقَاتِ } [التوبة:104] فانّ الاشتراء والبيعة وقبول التّوبة واخذ الصّدقات ليست الاّ بتوسّط المظاهر والخلفاء { ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } بالافراط فى حقوقها الدّنيويّة والتّفريط فى حقوقها الاخرويّة { لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً } وهذا لمن كان له سمة العبوديّة بالنّسبة الى مظاهره وخلفائه ولا يكون سمة العبوديّة الاّ لمن باع معهم البيعة العامّة او البيعة الخاصّة، بل نقول: لا يكون سمة العبوديّة الاّ لمن باع البيعة الخاصّة فانّ الايمان الّذى هو سمة العبوديّة لا يدخل فى القلب الاّ بالبيعة الخاصّة، وامّا المسلمون فدخولهم فى الاسلام ليس الاّ كدخول من دخل تحت حكم السّلاطين الصّوريّة ولذلك لا يكون الاجر والثّواب الاّ على الايمان دون الاسلام، او نقول هو عامّ لكلّ من لم ينسلخ من عبودية الله تكويناً سواء صار عبداً له تكليفاً او لم يصر، وانسلاخه من عبوديّته التّكوينيّة لا يكون الاّ بالتّمكّن فى اتّباع الهوى والشّيطان فانّ المتمكّن فى اتّباعهما لا يغفر له لانّه الشّرك الّذى قال الله { { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ } [النساء:48] فالمراد بالذّنوب ههنا غير الشّرك الّذى لا يغفره الله، وغير المتمكّن فى اتّباع الشّيطان هو الباقى على ولاية آل محمّدٍ (ص) تكويناً وان لم يبايع بالولاية معهم تكليفاً فلا منافاة بين هذا التّعميم، وما ورد فى الاخبار من اختصاص الآية بشيعة آل - محمّدٍ (ص) فانّه قال القمىّ: نزلت فى شيعة علىّ بن ابى طالبٍ (ع) خاصّةً، وعن الصّادق (ع) لقد ذكركم الله فى كتابه اذ يقول: { يٰعِبَادِيَ } (الآية) قال (ع): والله ما اراد بهذا غيركم، وعن الباقر (ع): وفى شيعة ولد فاطمة (ع) انزل الله عزّ وجلّ هذه الآية خاصّةً، وعن الصّادق (ع): ما على ملّة ابراهيم (ع) غيركم، وما يقبل الاّ منكم، ولا يغفر الذّنوب الاّ لكم، وعن امير المؤمنين (ع): ما فى القرآن آيةٌ اوسع من { يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ } (الآية)، وعن النّبىّ (ص): "ما احبّ انّ لى الدّنيا وما فيها بهذه الآية" ، واذا جمع ما ورد فى شيعة علىٍّ (ع) مع هذه الآية علم ان ليس المراد بعبادى الاّ شيعته، مثل حبّ علىٍّ (ع) حسنةٌ لا يضرّ معها سيّئةٌ ومثل: دينكم دينكم فانّ السّيّئة فيه مغفورة، والحسنة فى غيره غير مقبولة، ومثل: اذا عرفت فاعمل ما شئت من قليل الخير وكثيره، ومثل: ولىّ علىٍّ (ع) لا يأكل الاّ الحلال، ومثل: انّ الله عزّ وجلّ فرض على خلقه خمساً فرخّص فى اربعٍ ولم يرخّص فى واحدةٍ، وغير ذلك ممّا يدلّ على انّ الرّجل ان وصل الى الاحتضار بالولاية غفر الله له جميع ذنوبه { إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ وَأَنِـيبُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ } المضاف الّذى هو علىّ بن ابى طالبٍ (ع) وولىّ امركم، والانابة اليه بعد البيعة ليست الاّ بالحضور لديه بمعرفته بالنّورانيّة الّذى هو الحضور عند الله والمعرفة بالله { وَأَسْلِمُواْ لَهُ } اى انقادوا له بالخروج من جميع نيّاتكم وقصودكم وليس الاّ بالحضور عنده { مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلْعَذَابُ } اى عذاب الاحتضار او عذاب القيامة { ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } اذا لم تكونوا تسلمون له.