التفاسير

< >
عرض

وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ مُرَٰغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
١٠٠
-النساء

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } لمّا فرغ من بيان حال المقصّر والقاصر المتوطّن فى دار الشّرك اراد ان يبيّن حال الخارج من بيت الشّرك وهو امّا يخرج فى الظّاهر من بيت وطنه الصّورىّ او فى الباطن من بيت نفسه الامّارة فى طلب الاسلام وليس له جهادٌ لانّ الجهاد بعد قبول الاسلام ومعرفة الاعداء باذن النّبىّ او الامام، او يهاجر فى سبيل الله بعد اسلامه فى طلب الايمان من بيته الصّورىّ او المعنوىّ ولهذا المهاجر يتصوّر الجهاد بمراتبه امّا بالاموال والانفس، او فانياً عن الاموال والانفس بمحض الامر من غير تعلّق الخاطر بغير الامر، او بالله بالفناء عن الامر ايضاً ولم يذكر الخارج من دار اسلامه او دار ايمانه الى دار الشّرك لعدم الاعتناء به ولاستفادته من مفهوم المخالفة واشار الى المهاجر بعد الاسلام فى سبيل الله بقوله: ومن يهاجر فى سبيل الله { يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ } بمعانيها { مُرَاغَماً كَثِيراً } من الرّغام وهو التّراب بمعنى المذهب والمهرب والمغضب والمراد به محلّ تفرّج وتنزّه من الارض بحيث يرغم الاعداء { وَسَعَةً } فى الارض او فى نفسه او فى معيشته او فى سيره ظاهراً او باطناً، وقدّم بيان حال المهاجر بعد الاسلام على الخارج الى الاسلام لشرفه وان كان مؤخّراً برتبته، واشار الى الخارج الى الاسلام بقوله تعالى { وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ } ظاهراً وباطناً { مُهَاجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } ذكر الى الله للاشارة الى انّ الخارج من بيت الشّرك ذاهباً الى الرّسالة فى طلب الاسلام ذاهب الى الله لانتهائه الى الله، ولانّ الرّسول مظهر الآلهة ولذا لم يكرّر لفظ الى { ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ } اختيار بالجذبة الآلهية او اضطراراً فى السّبيل الظّاهرىّ او الباطنىّ { فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ } اى لا ينبغى ان يتكفّل اداء اجره غيره وفيه بشارة الى تامّة لهم { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } فيغفر مساويه الغير الزّائلة عنه ويرحمه باعطاء اجره بلا واسطة ان كان نزول الآية فى جندب بن ضمرة حين خرج من مكّة الى المدينة فمات، او النّجاشّى حين خرج الى المدينة فمات؛ لا ينافى تعميمها، ولمّا ذكر المجاهدين والمهاجرين اراد ان يبيّن حكمهم فى العبادات فقال تعالى { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلاَةِ }.