التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً
٤٩
-النساء

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ } تعجيب من تزكيتهم انفسهم بعد ما سبق من حالهم وتهديد لهم والتّزكية امّا بمعنى نسبة الطّهارة الى الانفس وعدّها زاكيات طاهرات او بمعنى ازالة الدّرن عن الانفس بأفعالهم وأذكارهم وكلّ واحد امّا بالقول مثل ان قال انّى لم اعص، واصوم كذا، واصلىّ كذا، وانفق كذا؛ وغير ذلك، او مثل ان داوم على ذكر اللّسان بنفسه من دون اذن واجازة قصداً الى تحصيل كمال النّفس وتطهيرها من نقائصها من غير مراياة، وامّا بالفعل مثل ان فعل الافعال الحسنة مراءاةً واظهاراً للنّاس انّه زاهد راغب فى الآخرة، او مثل ان اشتغل بالافعال الحسنة والرّياضات من قبل نفسه من غير مراءاة بل لتحصيل كمال النّفس وطهارتها ظنّاً منه انّ افعاله تزكّى نفسه والكّل خيال باطل فانّ المراءاة فعلاً او قولاً من اعظم المعاصى والعمل من قبل النّفس لتزكيتها لا يزيد الاّ فى شقائها { بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ } يظهر طهارة من يشاء من دون حاجة الى اظهارهم، او يطهّر من الادناس والرّذائل من يشاء لا من اراد ان يزكّى نفسه بعمله لانّها فضل من الله لا يمكن اكتسابه بالعمل بل العمل ان كان بأمر خلفائه يعدّ النّفس لقبول ذلك الفضل، والاية ان كانت نازلة فى اليهود والنّصارى لقولهم: { { نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ } [المائدة:18]، و { { لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } [البقرة:111] فالتّعريض بمنافقى الامّة الّذين فى اقوالهم وافعالهم مراءاةٌ فى نسبة الطّهارة الى انفسهم قولاً وفى رياضاتهم وعباداتهم الشّاقّة من قبل انفسهم قصداً للتفّوّق فى الكمال على اقرانهم، ولمّا توهّم من هذا انّ العمل لا ينجع فى طهارة النّفس فمن شاء الله زكّاه ومن لم يشأ لم يزكّه رفع هذا الوهم فقال تعالى { وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } بنقص اجر العامل او بعقوبته اذا وقع العمل على وجهه ولا بزيادة عقوبة العاصى.