{ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ } فى الاستفهام واضافة الرّبّ الى محمّدٍ (ص) دونهم انكارٌ وتحقير لهم واستهزاءٌ بهم { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } يعنى انّ معيشتهم الّتى هى من مكسوباتهم ومحسوساتهم ولهم بحسب الظّاهر اختيار فى تحصيلها لا صنع لهم فيها بل نحن قسمناها بينهم فكيف يقسمون النّبوّة الّى هى رحمة من الله غير محسوسة لهم ولا صنع ولا اختيار لهم فيها { وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ } فى المراتب الدّنيويّة والمناصب الظّاهرة { دَرَجَاتٍ } فكيف نكل هذا المنصب العظيم الى آرائهم { لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً } السّخرىّ اسم مصدرٍ من سخر به ومنه، وهكذا السّخريّة والسّخرىّ بكسر السّين، ولعلّه ههنا من مادّة التّسخير واسمُ له بمعنى التّذليل { وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } من الاموال والاولاد والاعراض، وفى خبرٍ: الا ترى يا عبد الله كيف اغنى واحداً وقبّح صورته وكيف حسّن صورة واحدٍ وافقره، وكيف شرّف واحداً وافقره، وكيف اغنى واحداً ووضعه؟! ثمّ ليس لهذا الغنىّ ان يقول: هلاّ اضيف الى يسارى جمال فلانٍ، ولا للجميل ان يقول: هلاّ اضيف الى جمالى مال فلانٍ، ولا للشّريف ان يقول: هلاّ اضيف الى شرفى مال فلانٍ، ولا للوضيع ان يقول: هلاّ اضيف الى ضعتى شرف فلانٍ، ولكنّ الحكم لله يقسم كيف يشاء وهو حكيم فى افعاله كما هو محمود فى اعماله، وذلك قوله تعالى: وقالوا: لولا نزّل هذا القرآن على رجلٍ من القريتين عظيمٍ، قال الله تعالى: اهم يقسمون رحمة ربّك يا محمّد نحن قسمنا بينهم معيشتهم فى الحياة الدّنيا فأحوجنا بعضهم الى بعض، احوج هذا الى مال ذلك، واحوج ذلك الى سلعة هذا والى خدمته فترى اجلّ الملوك واغنى الاغنياء محتاجاً الى افقر الفقراء فى ضربٍ من الضّروب امّا سلعة معه ليست معه وامّا خدمة تصلح لما لا يتهيّأ لذلك الملك ان يستغنى الاّ به، وامّا باب من العلوم والحكم هو فقير الى ان يستفيدها من ذلك الفقير وهذا الفقير محتاج الى مال ذلك الملك الغنىّ، وذلك الملك يحتاج الى علم هذا الفقير او رأيه او معرفته، ثمّ ليس للملك ان يقول: هلاّ اجتمع الى مالى علم هذا الفقير، ولا للفقير ان يقول: هلاّ اجتمع الى رأيى وعلمى وما اتصرّف فيه من فنون الحكم مال هذا الملك الغنىّ.