التفاسير

< >
عرض

فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ
٥٤
فَلَمَّآ آسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ
٥٥
-الزخرف

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُ } اى طلب منهم الخفّة والسّرعة فى خدماته بهذه التّمويهات او فاستخفّ احلامهم { فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ { فَلَمَّآ آسَفُونَا } احزنونا، اسف كفرح حزن اشدّ الحزن، واسف عليه غضب، وباىّ معنى كان لا يكون لائقاً بشأن الله، ولذلك ورد عن الصّادق (ع): انّ الله تبارك وتعالى لا يأسف كأسفنا ولكنّه خلق اولياءه لنفسه يأسفون ويرضون وهم مخلوقون مربوبون فجعل رضاهم رضا نفسه وسخطهم سخط نفسه وذلك لانّه جعلهم الدّعاة اليه والادلاّء عليه فلذلك صاروا كذلك وليس ان ذلك يصل الى الله كما يصل الى خلقه ولكن هذا معنى ما قال من ذلك وقال ايضاً: من اهان لى وليّاً فقد بارزنى بالمحاربة ودعانى اليها، وقال ايضاً: { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } [النساء:80] وقال ايضاً { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } [الفتح:10] وكلّ هذه وشبهه على ما ذكرت لك، وهكذا الرّضا والغضب وغيرهما من الاشياء ممّا يشاكل ذلك، ولو كان يصل الى المكوّن الاسف والضّجر وهو الّذى احدثهما وانشأهما لجاز لقائلٍ ان يقول: انّ المكوّن يبيد يوماً، لانّه اذا دخله الضّجر والغضب دخله التّغيّر، واذا دخله التّغيّر لم يؤمن عليه بالابادة، ولو كان ذلك كذلك لم يعرف المكوّن من المكوّن، ولا القادر من المقدور ولا الخالق من المخلوق، تعالى الله عن هذا القول علوّاً كبيراً، هو الخالق للاشياء لا لحاجةٍ فاذا كان لا لحاجةٍ استحال الحدّ والكيف فيه، فافهم ذلك ان شاء الله { ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } من قبيل عطف التّفصيل على الاجمال.