التفاسير

< >
عرض

مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ
١٥
وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى ٱلْعَالَمينَ
١٦
-الجاثية

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً } جوابٌ لسؤالٍ مقدّرٍ فى مقام التّعليل لغفرانهم { فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا } فلا حاجة للمسيء الى عقوبة اخرى منكم.
اعلم، انّ انسانيّة الانسان تقتضى الاحسان والعمل الصّالح، فاذا احسن الانسان كان الاحسان ملائماً له من حيث انسانيّته والواصل الى ملائمته ملتذّ بها ومنتقم بها، فلو لم يكن له اجر آخر كان الوصول الى ملائماته كافياً له اجراً وثواباً والحال انّ الاحسان يتجسّم له فى الآخرة بأحسن صورة ويستتبع صورةً اخرى مناسبةً له فالمحسن يتنعّم باحسانه ثلاث مرّات، واذا اساء الانسان كان الاساءة منافيةً لانسانيّته وغير الملائم موذٍ للانسان وان كان تلك الاساءة ملائمة لقوّةٍ اخرى بهيميّة او سبعيّةٍ او شيطانيّةٍ فلو لم يكن للمسيء عقوبةٍ اخرى كان الاساءة كافيةً له عقوبةً، والحال انّ الاساءة تتجسّم فى الآخرة بصورةٍ قبيحةٍ موذيةٍ وتستتبع صورةً اخرى قبيحةً موذية فى الآخرة، فالمسيء يعاقب باساءته ثلاث مرّاتٍ، وللاشارة الى النّفع والضّرّ الحاصلين حين الاحسان والاساءة قال: من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها يعنى حين العمل يكون نفعه وضرّه حاصلين له، وللاشارة الى الاجر والعقوبة الاخرويّين قال تعالى: { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ وَلَقَدْ آتَيْنَا } عطف على قوله تنزيل الكتاب من الله او عطف على قوله
{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ ٱلْبَحْرَ } [الجاثية: 12] ووجه المناسبة غير مخفىٍّ { بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } يعنى بنى يعقوب { ٱلْكِتَابَ } قد مضى مكرّراً انّ الكتاب يطلق على الولاية وآثارها، والنّبوّة واحكامها، والرّسالة واحكامها، والكتاب التّدوينىّ صورة الكلّ فيجوز ان يراد بالكتاب ههنا التّوراة والرّسالة والولاية والاولى ان يراد به التّوراة او الرّسالة { وَٱلْحُكْمَ } ان اريد بالكتاب التّوراة فالمراد بالحكم الحكومة بين النّاس الّتى هى لازم الرّسالة فيكون كنايةً عن الرّسالة، وان اريد به الرّسالة فالمراد بالحكم الحكمة الّتى هى عبارة عن اللّطف فى العلم والعمل الّذى هو من آثار الولاية { وَٱلنُّبُوَّةَ } بحيث قيل: انّه كان فيهم الف نبىّ (ع) { وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } بحسب مقامهم الحيوانىّ من المأكول والمشروب والملبوس والمسكون والمركوب، وبحسب مقامهم الانسانىّ ممّا كان يرد عليهم من الغيب من العلوم والوجدانات والمشاهدات { وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى ٱلْعَالَمينَ } بواسطة ايتاء ذلك لهم والمراد بالعالمين اهل زمانهم والاّ فامّة محمّد (ص) كانوا افضل منهم.