التفاسير

< >
عرض

لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً
٢
-الفتح

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ }.
اعلم، انّ ذنب كلّ انسان بحسب مقامه ومنزلته، فانّ حسنات الابرار سيّئات المقرّبين وتوبة الانبياء من الالتفات الى غير الله كما انّ توبة الاولياء من خطرات القلوب وقد قال فيما نسب اليه: انّه ليَرُان على قلبى وانّى لاستغفر الله كلّ يوم سبعين مرّةً، وانّ الرّسول لمّا كان أباً لجميع امّته والابوّة الرّوحانيّة كما مرّ فى سورة البقرة عبارة عن تنزّل الاب الى مقام الابن والبنت وصيرورته فعليّة اخيرة لهما من غير تجافٍ عن مقامه العالى وكان شيئيّة الشّيء بفعليّته الاخيرة كان الرّسول شيئيّة كلّ امّته وفعليّتهم الاخيرة، فما ينسب الى امّته من الذّنوب صحّ ان ينسب اليه بوجهٍ، وما غفر الله لامّته من ذنوبهم صحّ ان يقال: غفر الله تعالى له ذنوبه بمغفرة ذنوب امّته، ولمّا كان رسالته خاتم الرّسالات وكلّ الانبياء كانوا تحت لوائه وتحت رسالته وكلّ الشّرائع تحت شريعته صحّ ان يقال: انّ من كان على دينٍ من آدم (ع) وامّته الى انقراض العالم كلّهم كانوا امّته فصحّ ان يقول الله تعالى: انّا فتحنا لك هذا الفتح العظيم ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنوبك اللاّئق بشأنك على هذا الفتح وما تأخّر وصحّ ان يقول: ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنوب امّتك المتقدّمين من لدن آدم (ع) وما تأخّر من ذنوب امّتك المتأخّرين الى انقراض العالم، وصحّ ان يقول: انّا فتحنا لك مكّة ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك بزعم مشركى مكّة على زمان الفتح وما تأخّر فانّه كان اعظم ذنباً عندهم من كلّ مذنبٍ او ما تقدّم على الهجرة وما تأخّر عنها كما ورد عن الرّضا (ع)، وصحّ ان يقال المعنى: انّا اظفرناك على الامم او اعلمناك او تفضّلنا عليك بالنّعم الصّوريّة والمعنويّة ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر، ومن ههنا يظهر وجه الالتفات من التّكلّم الى الغيبة فانّ ذنوب الامّة ليست الاّ فى غيبته تعالى وكذلك مغفرتهم وذنبه الذى هو الالتفات الى غير الله ليس الاّ بالغفلة من الله غفلة لائقةً بشأنه وفى غيبته، ومغفرته الّتى لا تكون الاّ للمذنب فى اىّ حالٍ كان كانت فى غيبته فان اللّطيفة الحاضرة عند الله ليس لها ذنب، واللّطيفة المذنبة لا تصير حاضرةً عند الله، وايضاً غفران الذّنوب واتمام النّعم وسائر ما ذكر فى الآية ليست الاّ باسمه الجامع الّذى يعبّر عنه بالله { وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ } اتمام النّعمة ليس الاّ لمن فتح له باب اللاّهوت وعرج عن الملكوت والجبروت اللّتين هما من عالم الامكان الى اللاّهوت الّتى هى فوق الامكان، ولا يمكن ذلك الاّ بهذا الفتح المذكور { وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } وهو الخروج من الافراط والتّفريط الّذى هو احدّ من السّيف وادقّ من الشّعر، وتنكير الصّراط للتّفخيم.