التفاسير

< >
عرض

وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ ٱلنَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً
٢٠
-الفتح

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا } هى ما يفئ الله على المؤمنين (ع) الى يوم القيامة او هى مغانم مكّة وهوازن { فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ ٱلنَّاسِ } اى ايدى قريش او ايدى الاعراب وغيرهم بقوّة الاسلام، او ايدى اهل خيبر وحلفائهم { عَنْكُمْ } ذكر فى المجمع عن العامّة انّه لمّا قدم رسول الله (ص) المدينة من الحديبيّة مكث بها عشرين ليلةً ثمّ خرج منها غازياً الى خيبر فحاصرهم حتّى اصابتهم مخمصة شديدة ثمّ انّ الله فتحها؛ وذلك انّ النّبىّ (ص) اعطى اللّواء عمر بن الخطّاب ونهض من نهض معه من النّاس فلقوا اهل خيبر فانكشف عمر واصحابه فرجعوا الى رسول الله (ص) يُجَبِّنّه اصحابه ويُجَبِّنّهم، فقال رسول الله (ص) بعد ما اخبروه بما فعل عمر واصحابه، "لاُعطينّ الرّاية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله، كرّاراً غير فرّارٍ لا يرجع حتّى يفتح الله على يديه، فلمّا اصبح النّاس غدوا على رسول الله (ص) كلّهم يرجون ان يعطيها، فقال (ص): اين علىّ بن ابى طالب (ع)؟ - فقالوا: هو تشتكى عينه، فأرسل اليه فأتى به فبصق فى عينيه ودعا له فبرئ كأن لم يكن به وجعٌ فأعطاه الرّاية، فقال (ص): انفذ على رِسْلِك حتّى تنزل بساحتهم ثمّ ادعهم الى الاسلام واخبرهم بما يجب عليهم من حقّ الله فوالله لان يهدى الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من ان يكون لك حمر النّعم، فذهب الى خيبر فبرز اليه مرحب فضربه ففلق رأسه فقتله وكان الفتح على يده" ، هكذا اورده مسلم فى الصّحيح، ونقل عن العامّة: انّ عليّاً (ع) لمّا دنا من الحصن خرج اليه اهله فقاتلهم فضربه رجلٌ من اليهود فطرح ترسه من يده فتناول علىٌّ (ع) باب الحصن فتترّس به عن نفسه فلم يزل فى يده وهو يقاتل حتّى فتح الله عليه ثمّ القاه من يده، فلقد رأيتنى فى نفرٍ معى سبعة نجهد على ان نقلب ذلك الباب فما استطعنا، ونقل عنهم انّ عليّاً (ع) حمل الباب يوم خيبر حتّى صعد المسلمون عليه فافتتحوها وانّه حُرّك بعد ذلك فلم يحمله اربعون رجلاً، وروى من وجهٍ آخر انّه اجتمع عليه سبعون رجلاً فكان جهدهم ان اعادوا الباب، ورووا عن ابى ليلى قال: كان علىّ (ع) يلبس فى الحرّ والشّتاء القباء المحشوّ الثّخين وما يبالى الحرّ فاتانى اصحابى فحكوا ذلك لى فقالوا: هل سمعت فى ذلك شيئاً؟ - فقلت: لا، فقالوا: فسل لنا اباك عن ذلك، فانّه يسمر معه فسألته فقال: ما سمعت فى ذلك شيئاً فدخل على علىٍّ (ع) فسمر معه، ثمّ سأله عن ذلك، فقال: اوما - شهدت خيبر؟ - قلت: بلى، قال: فما رأيت رسول الله (ص) حين دعا ابا بكرٍ فعقد له ثمّ بعثه الى القوم فانطلق فلقى القوم ثمّ جاء بالنّاس وقد هزم؟ - فقال: بلى، قال: ثمّ بعث الى عمر فعقد له ثمّ بعثه الى القوم فانطلق فلقى القوم فقاتلهم ثمّ رجع وقد هزم، فقال رسول الله (ص): "لاُعطينّ الرّاية اليوم رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله يفتح الله على يده كرّاراً غير فرّارٍ، فدعانى فأعطانى الرّاية ثمّ قال: اللّهمّ اكفه الحرّ والبرد، فما وجدت بعد ذلك حرّاً ولا برداً" ، وقال صاحب المجمع: هذا كلّه من كتاب دلائل النّبوّة للامام ابى بكر البيهقىّ، ثمّ لم يزل رسول الله (ص) يفتح الحصون حصناً حصناً حتّى انتهوا الى حصن الوطيخ والسّلالم وكان آخر حصون خيبر وحاصرهم رسول الله (ص) بضع عشرة ليلة، قال ابن اسحاق: ولمّا افتتح القموص حصن ابن ابى الحقيق اُتى رسول الله (ص) بصفيّة بنت حىّ بن اخطب وباُخرى معها فمرّ بهما بلال وهو الّذى جاء بهما على قتلى من قتلى يهود، فلمّا رأتهم الّتى معها صفيّة صاحت وصكّت وجهها وحثت التّراب على رأسها فلمّا رآها رسول الله (ص) قال "اعزبوا عنّى هذه الشّيطانة" وامر بصفيّة فحُيّزت خلفه وألقى عليها رداءه فعرف المسلمون انّه قد اصطفاها لنفسه، وقال لبلال: لمّا رأى من تلك اليهوديّة ما رأى انزعت منك الرّحمة يا بلال؟ - حيث تمرّ بامرأتين على قتلى رجالهما؟ - وكانت صفيّة قد رأت فى المنام وهى عروس بكنانة بن الرّبيع بن ابى الحقيق انّ قمراً وقع فى حجرها فعرضت رؤياها على زوجها، فقال: ما هذا الاّ انّك تتمنّين ملك الحجاز محمّداً (ص) ولطم وجهها لطمة اخضرّت عينها منها، فأتى بها رسول الله (ص) وبها اثرٌ منها فسألها رسول الله (ص) منها فاخبرته وأرسل ابن ابى الحقيق الى رسول الله (ص) انزل فاكلّمك قال: نعم، وصالح رسول الله (ص) على حقن دماء من فى حصونهم من المقاتلة وترك الذّرّيّة لهم ويخرجون من خيبر وارضها بذراريهم ويخلّون بين رسول الله (ص) وبين ما كان لهم من مالٍ وارضٍ على الصفراء والبيضاء والكراع والحلقة وعلى البَزّ الاّ ثوب على ظهر انسان، وقال رسول الله (ص) "تبرّأت منكم ذمّة الله وذمّة رسوله ان كتمتمونى شيئاً" فصالحوه على ذلك، فلمّا سمع اهل فدك قد صنعوا ما صنعوا بعثوا الى رسول الله (ص) ان يسيرهم ويحقن دماؤهم ويخلّون بينه وبين الاموال، ففعل وكان ممّن مشى بين رسول الله (ص) وبينهم فى ذلك محيصة بن مسعود فلمّا نزل اهل خيبر على ذلك سألوا رسول الله (ص) ان يعاملهم الاموال على النّصف وقالوا: نحن اعلم بها منكم واعمر لها، فصالحهم رسول الله (ص) على النّصف على انّا اذا شئنا ان نخرجكم اخرجناكم، وصالحه اهل فدك على مثل ذلك فكان اموال خيبر فيئاً بين المسلمين وكانت فدك خالصةً لرسول الله (ص) لانّهم لم يوجفوا عليها بخيلٍ ولا ركابٍ، ولمّا اطمأنّ رسول الله (ص) اهدت له زينب بنت الحارث بن سلام وهى ابنة اخى مرحب شاةً مَصليّةً وقد سألت اىّ عضو من الشّاة احبّ الى رسول الله (ص) فقيل لها: الذّراع فأكثرت فيها السّمّ وسمّت سائر الشّاة ثمّ جاءت بها، فلمّا وضعتها بين يديه تناول الذّراع فأخذها فلاك منها مضغةً وانتهش منها ومعها بشر بن البراء بن معرور فتناول عظماً فانتهش منه، فقال رسول الله (ص): "ارفعوا ايديكم فانّ كتف هذه الشّاة تخبرنى انّها مسمومة" ثمّ دعاها فاعترفت، فقال: ما حملك على ذلك؟ - فقالت: بلغت من قومى ما لم يخف عليك فقلت: ان كان نبيّاً فسيخبر وان كان ملكاً استرحت منه، فتجاوز عنها رسول الله (ص) ومات بشر بن البراء من أكلته الّتى اكل، ودخل امّ بشرٍ على رسول الله (ص) تعوده فى مرضه الّذى توفّى فيه، فقال: يا امّ بشرٍ ما زالت اكلة خيبر الّتى اكلت بخيبر مع ابنك تعازّنى فهذا او ان قطعت ابهرى وكان المسلمون يرون انّ رسول الله (ص) مات شهيداً مع ما اكرمه الله به من النّبوّة { وَلِتَكُونَ } يا محمّد (ص) او لتكون الغنيمة الّتى عجّلها لكم وهو عطف على محذوفٍ اى لتقوّى وتُرفع ولتكون او متعلّق بمحذوفٍ معطوفٍ على عجّل اى فعل ذلك لتكون { آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } يعنى الولاية او صراطاً مستقيماً واقعاً بين الافراط والتّفريط فى كلّ امرٍ.