التفاسير

< >
عرض

قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٤
-الحجرات

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا }.
اعلم، انّ الاسلام وهو الدّخول تحت احكام القالب يحصل بمحض الاقرار اللّسانىّ والبيعة العامّة النّبويّة، ولذلك كانوا يدخلون النّاس فى الاسلام بالبيعة العامّة باتلّخويف والسّيف والقتل والاجلاء والاسر والنّهب وهو فى الحقيقة انقياد للسّلطنة الخلقيّة لا للحكومة الالهيّة، فان كان مع ذلك اعتقاد بالحكومة الالهيّة وانقياد فى القلب كان الاسلام حقيقة وسمّوا مسلمين حقيقة والاّ كانوا مسلمين ظاهراً لا حقيقةً، والايمان وهو الدّخول تحت احكام القلب يحصل بالبيعة الخاصّة الولويّة وليس الاّ انقياد القلب لمن آمن على يده، وبعبارةٍ اخرى الاسلام الحقيقىّ قبول الرّسالة كما انّ الاسلام الظّاهرىّ قبول احكام الرّسالة، والايمان قبول احكام النّبوّة والولاية، وبعبارةٍ اخرى؛ الاسلام قبول الدّعوة الظّاهرة، والايمان قبول الدّعوة الباطنة، وبعبارةٍ اخرى الاسلام تحلّى الظّاهر بحلية الشّريعة، والايمان تكيّف الباطن بكيفيّة الامام الّتى هى صورة نازلة منه ملكوتيّة تدخل قلب المؤمن وبها يكون فعليّته الاخيرة، وبها تحصل الابوّة والبنوّة بين الامام والمؤمن، وبها تحصل الاخوّة بين المؤمنين وهى الّتى اذا ظهرت على صدر المؤمن صارت سكينةً وفكراً وحضوراً وهى ظهور القائم (ع) فى العالم الصّغير، وبها تحصل المعرفة بالنّورانيّة وبها تشرق الارض بنور ربّها، ولمّا كانت الاعراب بمحض البيعة العامّة والدّخول تحت احكام القالب قالوا: آمنّا، ولم يكونوا يؤمنون بالبيعة الخاصّة ولم يتكيّف قلوبهم بكيفيّة الامام ولم يتنزّل صورة الامام فى قلوبهم فانّها لا تتنزّل الاّ بالبيعة الخاصّة والاتّصال المعنوىّ بالامام (ع) قال الله تعالى لنبيّه: قل لهم الايمان غير الاسلام والاسلام الظّاهرىّ الّذى هو الدّخول تحت السّلطنة بمحض البيعة العامّة غير الاسلام الحقيقىّ الّذى هو الانقياد تحت الحكومة الالهيّة بالبيعة العامّة فانْفُ الايمان عنهم رأساً و { قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن } اقتصروا فى القول على ما هو المتيقّن من الدّخول تحت السّلطنة بالبيعة العامّة و { قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا } ولم يقل اسلمتم لايهام اثبات الاسلام الحقيقىّ والحال انّه ليس بمتيقّنٍ { وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ } الّذى هو كيفيّة نازلة من الامام فى قلب المؤمن بالبيعة { فِي قُلُوبِكُمْ } لعدم وقوع تلك البيعة منكم وقد مرّ فى اوّل البقرة بيان معنى الاسلام والايمان { وَ } لكن { إِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } حتّى يتحقّق بالطّاعة فيكم حقيقة الاسلام { لاَ يَلِتْكُمْ } لا ينقصكم { مِّنْ أَعْمَالِكُمْ } بانفسها على تجسّم الاعمال ومن اجورها { شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ } يغفر منكم زلاّتكم ولا ينظر الى عدم ايمانكم والى انّ الاسلام الظّاهر لا ينفع سوى المنافع الدّنيويّة { رَّحِيمٌ } يتفضّل عليكم بأنواع فضله ولا ينظر الى عدم استحقاقكم.