التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ
١
-المائدة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } ايماناً عامّاً او خاصّاً او بمعنى اعمّ منهما لانّ الخطاب لعامّة الامّة للتّحريص على أمر الولاية { أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } اعلم انّ سورة النّساء وهذه السّورة نزلتا فى خلافة علىٍّ (ع) والتّرغيب فيها والتّهديد على خلافها، فكلّما ذكر فيهما من امر ونهى وحلال وحرام واجرٍ وعقاب وقصّة وحكاية عموماً وخصوصاً مطلقاً ومقيّداً فالمقصود منه الاشارة الى الولاية سواء قلنا ان ذكر علىّ (ع) كان مصرّحاً فاسقطوه او مورّىً فلم يفهموه، وفى اخبارنا تصريحات بانّ ذكره (ع) كان مصرّحاً فى كثير من المواضع فاسقطوه، والايمان عامّاً كان او خاصّاً قد علمت سابقاً انّه ما كان يحصل الاّ بالبيعة على يد النّبىّ (ص) او الامام (ع) او خلفائهما (ع) وكانت فى تلك البيعة معاهدات ومواثقات وشروط تؤاخذ على البائع، لكن فى كلّ من البيعة العامّة والخاصّة بكيفيّة مخصوصة بها غير كيفيّة الاخرى، وقد اشير الى بعض الشّروط فى آية مبايعة النّساء وكان من جملة شروط البيعة العامّة عدم مخالفة المشترى وطاعته فى امره ونهيه وكانت البيعة لا تحصل الاّ بعقد يمين البايع على يمين المشترى كما هو المعهود اليوم بينهم فى المعاملات، ولذا يسمّى مطلق المبايعة وسائر المعاملات الّتى فيها ايجاب وقبول عقوداً للاهتمام بعقد اليد فيها. والوفاء بالعقد عبارة عن الاتيان بمقتضى اصل العقد والاتيان بشرائطه ومعاهداته تماماً فالمعنى يا ايّها الّّذين بايعوا مع محمّد (ص) او مع علىّ (ع) اوفوا بجملة العقود من المعاملات بينكم والمبايعة مع الله ولا تدعوا شيئاً من شرائطها وعهودها، وسوق هذا الكلام من ذكر عقد خاصٍّ فى ضمن آمنوا وتعقيبه بذكر جملة العقود عموماً والامر بالوفاء بها يقتضى ان يكون المقصود الوفاء بهذا العقد الخاصّ، كانّه قال: يا ايّها الّّذين عقدّتم البيعة مع محمّد (ص) اوفوا بجملة العقود خصوصاً بهذا العقد او اوفوا بهذا العقد لكنّه جمع العقود باعتبار تعدّد العاقدين او باعتبار تعدّد وقوع هذا العقد فى عشرة مواطن او فى ثلاثة مواطن، فالمقصود لا تخلعوا بيعتكم عن رقابكم بالارتداد عن الاسلام او الايمان ولا تتركوا شرائطها بمخالفة قول النّبىّ (ص) فى الامر بالولاية وروى عن الجواد (ع) انّ رسول الله (ص) عقد عليهم لعلىّ (ع) بالخلافة فى عشرة مواطن، ثمّ انزل الله يا ايّها الّذين آمنوا اوفوا بالعقود الّتى عقدت عليكم لامير المؤمنين (ع) وعلى هذا كان المراد بالآية، الامر بالوفاء بعقود الولاية بحسب المنطوق وعلى ما ذكر سابقاً فى وجهها الاوّل المراد بها الامر بالوفاء بعقد الولاية التزاماً { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ } لمّا كان من جملة شرائط البيعة الاسلاميّة والايمانيّة ترك اذى الحيوان صار المقام مظنّة ان يسأل عن ذبح البهائم الّذى كان شائعاً فيهم مسلمين وجاهلين خصوصاً مع ملاحظة ما كان مشهوراً من اتباع العجم من حرمة ذبح الحيوان واكله فأجاب تعالى بانّ ذبح البهائم واكلها احلّ لكم، فى القاموس: البهيمة كلّ ذات اربع قوائم ولو فى الماء، او كلّ حيٍّ لا يميّز، والبهيمة اولاد الضأن والمعز والبقر، وعلى هذا فالاضافة من قبيل اضافة العامّ الى الخاصّ والانعام الازواج الثّمانية وفى الاخبار فسّر بهيمة الانعام بالاجنّة من الانعام ولا ينافى التّعميم، لانّ المراد بذلك التّفسير بيان الفرد الخفىّ والمصداق الّذى لا يكاد يطلق اسم البهيمة عليه، او المقصود من هذا التّفسر انّه احد وجوه الآية بتصوير أنّ بهيمة الحيوان ما لا نطق له ولا تميز وبهيمة الانعام ما يكون عدم نطقه وعدم تميزه بالنّسبة الى الانعام وما لا تميز له بالنسبة الى الانعام هو جنينها، واعلم انّ ما ذكر من جعل قوله تعالى احلّت لكم بهيمة الانعام مستأنفاً جواباً لسؤال مقدّر انّما هو بحسب احتمال ظاهر اللّفظ وبحسب ظاهر الشّريعة المطهّرة، والاّ فالمقصود تعليق احلال البهيمة على الوفاء بعقد الولاية كما صرّح بهذا التّعليق فى قوله تعالى { ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ } [المائدة: 5] كما سيجيء وكما يستفاد من اشارات الآيات وتصريحات الاخبار، انّ احلال كلّ حلال معلّق على قبول الولاية، وانّ من لم يقبل الولاية ولم يعرض عنها لا يحكم عليه بحليّة شيءٍ ولا بحرمته ومن اعرض عنها يحكم عليه بحرمة كلّ شيءٍ عليه، ومن قبل الولاية ووفى بعقدها حكم عليه بحليّة المحلّلات؛ ولىّ علىّ (ع) لا يأكل الاّ الحلال وعدوّ علىٍّ (ع) لا يأكل الاّ الحرام.

كَر بكَيرد خون جهانرا مال مال كى خورد مرد خدا الاّ حلال

فعلى هذا كان احلّت فى هذه الآية جواباً للامر وفى محلّ الجزم وادّاه بالماضى لئلاّ يكون تصريحاً تعليق احلال البهائم على الوفاء بعقد الولاية حتّى لا يسقطوه مثل سائر ما صرّح به من مناقب علىّ (ع) { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } ممّا يأتى فى الآية الآتية { غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ } حال عن المجرور فى لكم والمعنى احلّت لكم بهيمة الانعام حال كونكم غير معتقدين حليّة الصّيد { وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } حال عن المستتر فى محلّى الصّيد يعنى ان اعتقدتم حلّيّة الصّيد وقت الاحرام كانت المحلّلات حراماً عليكم لانّكم ما وفّيتم بشروط عقدكم، والحرم جمع الحرام بمعنى المحرم للحجّ او العمرة سواء كان وصفاً او مصدراً فى الاصل كالحلال بمعنى الخارج من الاحرام { إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ } فلا تتعجبوا من تعليق إحلال المحللات على الوفاء بعقد الولاية ولا تتحرّجوا من ذبح البهائم واكلها بشبهة سبقت الى اوهامكم من الاعاجم.