التفاسير

< >
عرض

يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَلاَ ٱلْهَدْيَ وَلاَ ٱلْقَلاۤئِدَ وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
٢
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٣
يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ
٤
-المائدة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } كرّره تلطّفاً بهم وتذكيراً لعلّة النّهى تهييجاً على الامتثال والمراد بالايمان كالسّابق امّا الايمان العامّ او الخاصّ او اعمّ منهما { لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ } يستعمل الاحلال المتعلّق بالامور ذوى الخطر فى ترك حرمتها وفى اعتقاد حلّيّة ترك حرمتها والمعاملة معها بخلاف شأنها فالمعنى لا تتركوا حرمة شعائر الله ولا تعتقدوا حلّيّة ترك حرمتها فتتهاونوا بها، والشّعائر جمع الشّعيرة او الشّعارة او الشّعار بمعنى العلامة، ولمّا كان كلّ من العبادات علامة لدين الاسلام وللعبوديّة وقبول آلهة الله سميّت شعائر الدّين وشعائر الاسلام وشعائر الله، ولمّا كان اعظم شعائر الاسلام هى الولاية لانّها اعظم اركانها الخمسة واسناها وكان المقصود من الوفاء بالعقود الوفاء بعقد الولاية كما علمت كان المقصود ههنا ايضاً النّهى عن احلال حرمة الولاية، ولمّا كانت الولاية من شؤن الولىّ وكان علىّ (ع) هو الاصل فى ذلك كان المقصود لا تتهاونوا بعلىّ (ع) { وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ } من قبيل ذكر الخاصّ بعد العامّ لانّ الشّهر الحرام من حيث حرمته من شعائر الله، وعن علىّ (ع) انا الاعوام والدّهور وانا الايّام والشّهور، ونزول الآية كما فى الخبر فى رجل من بنى ربيعة قدم حاجّاً واراد المسلمون قتله فى الاشهر الحرم لكفره ولانّه كان قد استاق سرح المدنية { وَلاَ ٱلْهَدْيَ } ما اهدى به الى البيت { وَلاَ ٱلْقَلاۤئِدَ } ذوات القلائد جمع القلادة ما اشعر به الهدى من نعلٍ صلّى فيه او لحاء شجرٍ او غيره اعلاماً بانّه هدى البيت لئلاّ يتعرّض له او المراد النّهى عن احلال القلائد انفسها، وعلى الاوّل يكون من عطف الخاصّ على العامّ { وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ } قاصدين البيت لزيارته بقرينة قوله تعالى { يَبْتَغُونَ } بزيارتهم { فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ } من سعة العيش فى الدّنيا { وَرِضْوَاناً } رضا ربّهم فى الآخرة، وبعد ما علمت انّ البيت الحقيقىّ لله هو القلب فى العالم الصّغير وصاحب القلب فى العالم الكبير وانّ البيت الّذى بناه ابراهيم (ع) صورة هذا البيت وظهور القلب الّذى هو بيت حقيقىّ لله ولذا سمّى بيتاً لله، وكونه بحذاء البيت المعمور وانّه فى السّماء الرّابعة يدّل على هذا، فاعلم انّ جميع ما سنّ الله تعالى من مناسكه ومواقفه صورة ما سنّه تعالى تكويناً وتكليفاً من مناسك الحجّ الحقيقىّ فى الصّغير والكبير، فاوّل بيت وضع للنّاس فى ملك الصّغير هو القلب فانّه اوّل عضوٍ يتكّون ومن تحته دحو ارض البدن، واوّل بيتٍ وضع للنّاس فى ملكوت الصّغير هوا لقلب الملكوتىّ، واوّل بيت وضع للنّاس هو الكبير هو خليفة الله فى ارضه، ولمّا كان بيت الاحجار ظهور قلب ذلك الخليفة فكلّما يتأتّى فى القلب يجرى بعينه فى هذا البيت وتفصيله قد مضى فى آل عمران عند قوله: { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ } [آل عمران: 96] ، فالقلب هو بيت الله والصّدر المستنير بنور القلب مسجد وحرم وشهر حرام بتفاوت الاعتبارات، وصاحب هذا الصّدر المأذون فى التّكلّم مع الخلق ونقل اخبارهم وبيان احكامهم ايضاً شهر حرام وحرم ومن بيوت الانبياء (ع) ومسجد المحلّة ومن القرى الظّاهرة الواسطة بين الخلق وبين القرى المباركة والبهيمة والهدى وذوات القلائد فى الصّغير القوى الغير الشاردة الابيّة المتوقّفة عن حضرة القلب او المتحرّكة اليها بتبعيّة اللّطيفة الانسانيّة غير المستنيرة بنور القلب، او المستنيرة المتقلّدة بقلادة نور القلب وفى الكبير افراد الانسان الّتى لا تأبّى لها عن الطّاعة ولا تهيّج لها للحركة الى بيت الله الامام، او المتحرّكة مع قاصد البيت من غير تعلّم شيءٍ من علامات الدّين الّذى هو قلادتها واشعارها، او مع تعلّم شيء منها وتقلّدها بقلادتها، والصّيد هو الشّارد الابىّ من القوى ومن افراد الانسان، ولا يجوز للمحرم لحضرة القلب ما لم يطف به ولم يتمكّن من مناسكه التّعرّض له، فانّه خلاف قصده ومضرّ إحرامه لانّه شاغل له عن الحركة اليه، فاذا تمكّن من طواف القلب وعاد بعد الهجرة الى مقام الصّدر واستنار صدره بنور القلب بحيث لا ينطفى ولا يختفى ذلك النور باشتغاله بامر الصّيد فله التّعرّض بقتل وقيد واسر، والفضل استنارة الصّدر بنور القلب، والرّضوان استنارة القلب بنور الرّوح، وما لم تشتدّا كانتا للانسان قبولاً وصاحبهما قابلاً وتابعاً ومقلّداً، واذا اشتدّتا وتجوهر الصّدر والقلب بهما وكان صاحبهما محتاجاً الى الاستمداد من الواسطة بينه وبين الله صارتا خلافةً للرّسالة او للولاية، واذا استغنتا عن الواسطة واستمدّتا من الله بلا واسطة صارتا رسالة وولاية وهما كما علمت من شؤن الرّسول والولىّ ومتحدّتان معهما، والاصل فى الرّسل والاولياء محمّد (ص) وعلىّ (ع) فصحّ تفسيرهما بمحمّد (ص) وعلىّ (ع) وحصرهما فيهما، ولمّا اجمل ذكر الصّيد فى قوله: غير محلّى الصّيد؛ ولم يتعرّض له فى جملة المنهيّة عن التّهاون بها ناسب المقام السّؤال عن حاله والجواب عنه فقال تعالى جواباً وبياناً { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ } امر فى معنى الاباحة بحسب التّكاليف القالبيّة وفى معنى الرّجحان بحسب التّأويل { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ } لا يكسبنّكم اولا يحملنّكم { شَنَآنُ قَوْمٍ } بغضاؤكم لقوم او بغضاء قوم لكم قرء شنأن قوم بفتح النّون مصدراً او بسكون النّون مصدرا او وصفا { أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } قرئ بفتح الهمزة بتقدير الّلام او الباء او على ويجوز ان يكون بتقدير فى وان يكون بدلا من شنأن قوم بدل الاشتمال او مفعولاً ثانياً ليجرمنّكم وقرئ بكسر الهمزة { أَن تَعْتَدُواْ } مفعولٍ ثانٍ ليجرمنّكم او بتقدير الّلام او الباء او على او فى او بدل من شنأن قومٍ او من صدّوكم نحو بدل الاشتمال، اى لا يحملنّكم بغضاء قوم على الاعتداء بالخروج عمّا رخّص الله لكم فى شريعتكم وعمّا حدّه لكم فى طريقتكم من التّنزّل عن مقام الصّدر المنشرح بالاسلام الى مقام النّفس الامّارة والايتمار بأمرها وقمع القوى المانعة لكم من الحضور لدى القلب وقتل من يمنعكم من الحضور عند صاحب القلب، بل عليكم بالملاينة والمرافقة والمداراة واعطاء كلّ ذى حقّ حقّه فى مقامه { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ } البرّ ههنا الاحسان الى خلق الله وهو من احكام الرّسالة ولوازمها كما قال: { { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [الأنبياء:107]؛ والتّقوى حفظ النّفس عن ضرّ الغير وعن اضرارها للغير وهو من آثار الولاية ولوازمها لانّ الرّسالة رجوع الى الخلق بصفات الحقّ من عموم الرّحمة، وقبول الولاية انزجار ورجوع من الخلق الى الحقّ، وصاحب الولاية شأنه ارجاع النّاس من الكثرات الى الوحدة وهما متّحدان مع الرّسالة والولاية وهما متّحدتان مع الرّسول (ص) والولىّ (ع) فصحّ تفسيرهما بمحمّد (ص) وبعلىّ (ع) وحصرهما فيهما { وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ } الاثم الاساءة الغير المتعدّية والعدوان الاساءة المتعدّية وهما متّحدان مع الآثم والعادى يعنى لا تعاونوا على الاساءتين { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } فى الاعتداء والتّعاون عليهما { إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ آلْعِقَابِ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ } استيناف لبيان المستثنى المقدّم كأنّ السّامع يطلب ويسأل بيانه وينتظر ذكره ولذا لم يأت باداة الوصل { وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ } اى رفع الصّوت لغير الله به والمراد تنزيلاً الّذبيحة التّى ذكر غير اسم الله عليه وتأويلاً كلّ فعل رفع صوت النّفس بالامر به، فانّ صوتها لغير الله لا محالة كما انّ قوله ومالكم الاّ تأكلوا ممّا ذكر اسم الله عليه اشارة الى كلّ فعل امر العقل به فانّ امره لا محالة لله { وَٱلْمُنْخَنِقَةُ } كانوا يخنقون البقر او الغنم فاذا انخنق اكلوه { وَٱلْمَوْقُوذَةُ } كانوا يشدّون ارجل الانعام ويضربونها حتّى تموت فيأكلونها { وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ } كانوا يشدّون اعينها ويلقونها من السّطح ثمّ يأكلونها { وَٱلنَّطِيحَةُ } كانوا يناطحون بالكباش فاذا ماتت اكلوها { وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ } كانوا يأكلون فريسة السّبع { وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ } كانوا يذبحون لبيوت النّيران وكانوا يعبدون الشّجر والصّخر والاصنام فيذبحون لها { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ } جمع الزلم محرّكة او كصرد قدح يتقامر به كانوا يعمدون الى الجزور فيقوّمونه بينهم ثمّ يسهمون عشرة أسهمٍ سبعة لها انصباء وثلاثةٌ لا انصباء لها ويجعلون ثمن الجزور على الثّلاثة الّتى لا انصباء لها ثمّ يخرجون السّهام فمن خرج اسمه الثّلاثة الّتى لا انصباء لها الزموهم ثمنها والسّبعة الّتى لها انصباء يأخذون لحم الجزور بلا ثمن فحرّم ذلك كلّه وقال تعالى { ذٰلِكُمْ } اشارة الى المجموع او الى الاستقسام بالازلام { فِسْقٌ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ } اشارة الى يوم نصب علىّ (ع) بالخلافة يعنى كان الكافرون والمنافقون يترقّبون لموت النّبىّ (ص) او قتله (ص) وتفرّق كلمتكم والغلبة على دينكم وبعد نصب امير لكم يئس الكفّار من الغلبة وتفرّق الكلمة ويئس المنافقون بنصب علىّ (ع) عن الغلبة على دينكم وترويج باطلهم واظهار نفاقهم فاذا يئس الكفّار { فَلاَ تَخْشَوْهُمْ } ولمّا لم يستكمل ايمانكم فلا تأمنوا من عقوبتى { وَٱخْشَوْنِ ٱلْيَوْمَ } يوم نصب علىّ (ع) بغدير خمّ { أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } الاكمال قد يستعمل فى اتمام ذات الشّيء كاكمال النّوع بالفصل والبيت بأركانه وسقفه، وقد يستعمل فى اتمام الشّيء بمحسنّاته ومتمّماته الزّائدة على ذاته كاكمال الانسان بمهارته فى العلوم والصّنائع، والبيت بزخرفته وفروشه، والمراد بالدّين هنا هو الاسلام الحاصل بالبيعة العامّة النّبويّة وقبول الاحكام النّبويّة والمراد بالاكمال هو اتمامه فى ذاته، لانّ الاسلام بنى على خمسة اركان والرّكن الاخير هو الولاية اعنى البيعة مع علىّ (ع) بالامامة لانّ الولاية بمعنى المحبّة او اعتقاد الولاية لعلىّ (ع) خارجة عن الاعمال القالبيّة الاسلاميّة فلا تكون من اركان الاسلام ومتمّمات احكام القالب واتمامه فى خارج ذاته باعتبار، فانّ الاسلام كالمادّة للولاية بالمعنى الحاصل بالولاية الّتى هى من اركان الاسلام وهو الايمان الدّاخل فى القلب وبه الحركة والسّير الى الله وهو بمنزلة الصّورة للاسلام والصّورة وان كانت محصّلة للمادّة وما به قوام المادّة وبقاؤها لكنّها خارجة عن ذاتها { وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } فانّ الاسلام نعمة من الله لكنّه مركّب من الاركان الخمسة ولا يتمّ المجموع الاّ بتمام اجزائه وايضاً هو مادّة للولاية بالمعنى الآخر وبقاء ولا قوام للمادّة الاّ بالصّورة فبالولاية تتمّ نعمة الاسلام { وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأِسْلاَمَ دِيناً } فانّه لنقصان اركانه وعدم تحصّله كان غير مرضىٍّ وعن الصّادقين (ع) انّما نزل بعد ان نصب النّبىّ (ص) عليّاً (ع) علماً للانام يوم غدير خمّ عند منصرفه عن حجّة الوداع، قالا: وهى آخر فريضةٍ انزلها الله ثمّ لم تنزل بعدها فريضة، وورد عنهم (ع) اخبار كثيرة قريبة من هذا { فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ } المخمصة هى المجاعة لكن تستعمل فى كلّ شدّة وضيق، فى تفاسير العامّة انّه مربوط بذكر المحرّمات وما بينهما اعتراض، ولمّا علّق وقيّد يأس الكفّار عن الدّين واكمال الدّين واتمام النّعمة وارتضاء الاسلام منهم بيوم مخصوص ووقت معيّن، علم أنّه لا يكون الاّ لوقوع امرٍ عظيم فيه هو يقطع طمع الكفّار ويصير سبباً لاكمال الدّين والاّ لم يكن للتّقييد به وجه وما ذاك الاّ سدّ خلل الدّين بعد النّبىّ (ص) بنصب من يحميه ويحفظ أهله من الاختلاف والافتراق فانّه لا امر اعظم منه فضلاً عمّا بيّنوا لنا من انّ نزولها بغدير خمّ بعد نصب علىّ (ع) والتّرغيب فيه كأنّهم سألوا فما لنا ان اضطررنا الى اكل المحرّمات او لى ترك التّوسّل بعلىّ (ع) والتبعيّة له؟ - فقال تعالى: { فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ } بياناً لوجه الاضطرار حال كونه { غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ } اى غير مائل اليه او غير متجاوز عن قدر الضّرورة كما فى قوله غير باغٍ ولا عادٍ، ولما كان المقصود هو الاضطرار الى اتّباع معاوية وترك اتّباع علىّ (ع) فلا ضيران يفسّر الاثم بمعاوية، اى غير مائل فى الباطن الى معاوية، فانّه لا يؤاخذ اذا كان اكل الحرام او اتّباع غير علىّ (ع) عن اضطرار من غير ميل قلبىّ { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ } اى اىّ شيء او ما الّذى احلّ لهم سألوا عن المحلّلات بعد ذكر المحرّمات { قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ } لا اختصاص لها بالاغذية الغير المتسخبثة كما فسّره المفسّرون، بل اصل الطيّبات هو علىّ (ع) ثمّ ولايته بالبيعة الولويّة ثمّ العمل بما دخل منه (ع) فى القلب ثمّ العمل بما اخذ عليه فى ميثاقه ثمّ اخذ العلم منه ثمّ العمل به ثمّ المباحات من الاغذية والاشربة والالبسة والازواج والمساكن واثاثها والمراكب وجملة الاعراض الدّنيويّة التى حصلت فى اليد من الوجه الحلال { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ } اى نفس ما علّمتم من حيث التّعليم يعنى احلّ لكن تعليم الكلاب الاصطياد، وحلّيّة مقتولها تستفاد ممّا يأتى او صيد ما علّمتم ويجوز ان يكون ما شرطيّة، وقوله فكلوا ممّا امسكن جزاؤه، ولمّا كان مقتول الكلاب مظنّة الاستخباث افرده بالّذكر { مُكَلِّبِينَ } تقييد للاحلال بتعليم الكلاب او بمقتول الكلب المعلّم لا غيره من السّباع المعلّمة فانّ المكلّب بصيغة اسم الفاعل هو المعلّم للكلب ومشتقّ منه { تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُ } تكويناً او تحصيلاً بتوسّط بشر اخر من آداب الاصطياد والانقياد فى الارسال والزّجر وضبط الصّيد على صاحبهنّ { فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } لمّا لم يكن الواو للتّرتيب لم يكن تأخير الامر بذكر اسم الله فى اللّفظ منافياً لوجوب تقديم الّذكر عند الارسال { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } فيما لم يحلّ لكم { إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } يحاسب على الدّقيق والجليل.