التفاسير

< >
عرض

وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
٤٨
-المائدة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ } بسبب الحقّ او متلبّساً الحقّ او مع الحقّ، وقد سبق انّ الحقّ فى امثال المقام هو الولاية الكبرى { مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَابِ } من جنس الكتب المنزلة والنّبوّات الماضية { وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ } رقيباً على ذلك الكتاب بحفظه عن التّغيير واظهار ما كتموه منه وتصديقه وتصديق النّبوّات الماضية، والمهيمن من اسمائه تعالى بمعنى الرّقيب والحافظ والمؤتمن والامين والشّاهد { فَٱحْكُم بَيْنَهُم } بين امّتك او بين اهل الكتاب ان اخترت الحكم بينهم والمقصود التّعريض بالامّة وحكمهم { بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } فى علىّ (ع) { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلْحَقِّ } وهو الكتاب والنّبوّة فانّهما صورتا الحقّ الّذى هو الولاية { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً } اى لكلّ فرقة وامّة منكم جعلنا شريعة بحسب القالب وتأخير منكم للاشارة الى انّ الشّرعة الخاصّة بكلّ امّة انّما نشأت من اختلاف استعدادهم { وَمِنْهَاجاً } طريقاً واضحاً بحسب القلب، والشّرعة الطّريقة الى الماء الّتى يرد عليها جميع الخلق بالسّويّة والاحكام القالبيّة فى كلّ امّة وشريعة طريقة الى ماء الحيوة ويستوى فيها جميع الامّة، والمنهاج من نهج الامر اذا وضح والمراد الطّريق الواضح من القلب الى الحقّ وهو بمنزلة التّعليل لسابقه يعنى لا تتجاوز عن شرعتك الخاصّة بواسطة شرائعهم، فانّ شرائعهم كانت خاصّة بهم ولك شرعة خاصّة بك { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } متّفقة على طريقة واحدة من غير نسخ شريعة وتجديد اخرى { وَلَـٰكِن } جعلكم امماً مختلفة { لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم } من الشّرائع الجديدة لانّ قبول المألوف المعتاد اسهل على النّفس ولا يظهر صدق الايمان به بخلاف غير المألوف، فانّ قبوله لا يكون الاّ عن صدق الايمان بمن اتى به { فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ } يعنى اذا علمتم انّ الاختلاف امتحان لكم فاستبقوا الخيرات الّتى هى ما أمر الله به على لسان نبيّه (ص) لا العادات الّتى اخذتموها من اسلافكم، يعنى خذوا الخيرات سابقين على نفوسكم فانّها تأمركم بالعادات او سابقين على اقرانكم حيازة لقصب السّبق { إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً } السّابق والّلاحق والاخذ بالامر والاخذ بالعادة وهو تعليل لقوله فاستبقوا ووعد ووعيد للفريقين { فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } من الحقّ والباطل والامر والعادة وهذا ايضاً تعريض بالولاية واختلافهم فيها بعد الرّسول (ص).