التفاسير

< >
عرض

ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيّبَـٰتُ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِيۤ أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِٱلإِيمَٰنِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ
٥
-المائدة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ } فى تقييد احلال الطّيّبات بعد ذكره مطلقاً باليوم الخاصّ الّذى هو يوم نصب علىّ (ع) بالخلافة، اشارة لطيفة الى انّ حلّيّة الطيّبات موقوفة على الولاية ولولاها لكانت محرّمة وإن كانت طيّبة حاصلة من كسب اليد والوجه الحلال، غاية الامر ان يكون المراد بالحلّيّة ههنا الحلّيّة فى نفس الامر وبحسب الطّريقة لا بحسب ظاهر الشّريعة { وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ } قد اختلف الاخبار فى طهارة اهل الكتاب ونجاستهم، واكثرها يشعر بأنّ نجاستهم عرضيّة بواسطة عدم اجتنابهم عن الخمر ولحم الخنزير، وانّ فى انيتهم الخمر ولحم الخنزير وقد فسّر الطّعام بالحبوب دون ذبائحهم لانّهم غير مأمونين على تسمية الله عليها فنقول: ليس المراد بطعام الّذين اوتوا الكتاب طعامهم المصنوع لهم حتّى كانت حلّيّته منافية لنجاستهم ان قلنا بنجاستهم كالمشركين، بل المراد نفى الحرج عن طعامهم المنسوب اليهم من حيث انّه منسوب اليهم يعنى لا حرج عليكم فى طعامكم من حيث تلك النّسبة فانّ النّسبة لا تستخبث الطّعام اذا لم يكن فيه خباثة من وجه اخر، ولذلك كان طعامكم حلاّ لهم يعنى انّ نسبة الطّعام اليكم لا تورث حرجاً عليكم اذا اطعمتموه اهل الكتاب ولا تجعلهم ممنوعين من الاكل ولمّا كان طعامهم مظنّة الخباثة ذكره بعد احلال الطيّبات، وايضاً لما ندب على ولاية علىّ (ع) وقيّد احلال الطيّبات بزمان نصب علىّ (ع) للاشارة الى تقييد الحلّيّة بالولاية ولم يكن لاهل الكتاب ولاية صار المقام مظنّة لحرمة المخالطة معهم وعدم حلّيّة طعامهم واطعامهم فنفى هذا الوهم، لانّهم بانتحال ملّة آلهيّة وقبول الدّعوة الظّاهرة كانوا مسلمين ولم يخرجوا بحسب الظّاهر عن الاسلام، وبمخالطتهم واكل طعامهم واطعامهم يستعدّون للهداية ولمّا كان حلّيّة طعامهم واطعامهم بحسب الظّاهر وحلّيّة الطيّبات المتوقّفة على الولاية بحسب نفس الامر غيّر الاسلوب واتى بالجملة الاسميّة عطفاً على مجموع القيد والمقيّد حتّى لا يتقيّد بالولاية { وَٱلْمُحْصَنَاتُ } الّلائى احصنّ انفسهنّ عمّا لا ينبغى عطف على الطيّبات المتقيّد احلالها بولاية علىّ (ع) ولذا قيّدهنّ بوصف الاحسان والايمان، يعنى اليوم احلّت لكم حلالاً واقعياً المحصنات { مِنَ ٱلْمُؤْمِنَاتِ } ولا ينبغى لكم غيرهنّ فانّ غيرهنّ من الاماء والمتجرّيات على ما لا ينبغى وان كنّ حلالاً بحسب ظاهر الاسلام، لكنّهنّ غير محلّلات بحسب نسبة الايمان وفى نفس الامر { وَٱلْمُحْصَنَاتُ } الّلائى احصنّ انفسهنّ عمّا لا ينبغى { مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ } قد اختلف الاخبار والاقوال فى نكاح النّساء من اهل الكتاب، وكذا فى انّ هذه الآية منسوخة بآية حرمة نكاح المشركات وحرمة الاخذ بعصم الكوافر او ناسخة، وكذا فى الدّوام والتّمتّع بهنّ وقول النّبىّ (ص): "انّ سورة المائدة آخر القرآن نزولاً فأحلّوا حلالها وحرّموا حرامها" ، ينفى كونها منسوخة، وقوله تعالى { إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } مشعرٌ بتقييد الحلّيّة بحال التّمتّع بهنّ فانّ استعمال الاجور فى مهور المتمتّعات اكثر واشهر { مُحْصِنِينَ } حال كونكم حافظين انفسكم من السّفاح علانيةً وسرّاً، امّا بيانٌ لوجه الاحلال او تقييدٌ له باعتبار الواقع لا باعتبار ظاهر الاسلام { غَيْرَ مُسَافِحِينَ } حال بعد حالٍ يعنى غير متجاهرين بالزّنا { وَلاَ مُتَّخِذِيۤ أَخْدَانٍ } ولا مسرين لهنّ جمع الخدن وهو الصّديق يقع على الذّكر والانثى، ولمّا ندب على الولاية وعلّق اكمال الدّين واحلال الطيّبات عليها ناسب المقام ان يذكر حال مخالف الولاية فقال تعالى: { وَمَن يَكْفُرْ بِٱلإِيمَانِ } اى بقبول ولاية علىّ (ع) والبيعة الخاصّة الولويّة معه، وما ورد فى الاخبار من التّفسير بترك الصّلوة، او ترك العمل الّذى اقرّ به فى بيعته، او ترك العمل اجمع، او التّبدّد بأمر هو خلاف الحقّ فانّما هو تفسير لفروع الولاية، ولا ينافى كون المقصود هو الولاية كما فى بعض الاخبار { فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ } الّذى عمله فى الاسلام فانّ ما به القبول هو الولاية { وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } لصرف بضاعته فيما لا قدر له.