التفاسير

< >
عرض

وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ
٥٦
-الذاريات

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ }.
اعلم، انّ الله تعالى كان غيباً مطلقاً لم يكن منه خبر ولا اسم ولا رسم فأحبّ ان يتجلّى فيعرف كما فى القدسىّ: كنت كنزاً مخفيّاً فأحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكى اعرف، فخلق الخلق لان يتجلّى عليهم فيألفوه، ولا يتجلّى عليهم الاّ اذا صاروا خارجين من انانيّاتهم، ولا يخرجون من انانيّاتهم الاّ بارتياض النّفوس بما قرّره الله تعالى لذلك وليس الاّ العبادات الشّرعيّة، وايضاً لا يخرجون من انانيّاتهم الاّ اذا صاروا عبيداً له تعالى خارجين من عبوديّة انفسهم وليس المقصود من العبادات ولا من العبديّة الاّ ان يصيروا عارفين له متّصلين به منتهين اليه، فالمقصود من قوله الاّ ليعبدون الاّ ليعرفون لكنّه ادّاه بهذه العبارة للاشعار بانّ المعرفة لا تحصل الاّ بالعبادة او بالعبديّة، عن الصّادق (ع) قال: خرج علىّ بن الحسين (ع) على اصحابه فقال: ايّها النّاس انّ الله جلّ ذكره ما خلق العباد الاّ ليعرفوه، فاذا عرفوه عبدوه، واذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه، فقال له رجل: يا بن رسول الله (ص) بابى انت وامّى، فما معرفة الله؟ - قال: معرفة اهل كلّ زمانٍ امامهم الّذى يجب عليهم طاعته، وقوله تعالى
{ { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ } [هود: 118 - 119] ولا يزالون مختلفين الاّ من رحم ربّك ولذلك خلقهم، المستفاد منه انّ خلقهم للاختلاف، وعبادة بعضهم وتمرّد بعضهم لا ينافى ذلك، فانّ الغاية المقصودة والمنظور اليها والمترتّب عليها فعل الفاعل عبادتهم ومعرفتهم ولكن لمّا لم يكن خلق البشر فى عالم الكون من الاضداد الاّ بان يكونوا مختلفين وكان غاية تلك الخلقة المنتهى اليها خلقتهم اختلافهم قال: { وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ } [هود: 119] ولذلك خلقهم فلا منافاة بينهما، فانّ العبادة علّة غائيّة لخلقهم والاختلاف غاية مترتّبة عليه.