التفاسير

< >
عرض

وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ
١٠
أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ
١١
فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ
١٢
-الواقعة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ } هذه جملة مبتدء وخبر والمعنى السّابقون على اصحاب اليمين هم المعروفون بالسّبق، او السّابقون على اصحاب اليمين هم السّابقون على الاطلاق فى جملة الكمالات، او السّابقون هم الانبياء (ع) المعروفون بالسّبق، او السّابقون فى الفضل هم السّابقون اصحاب اليمين، او السّابقون فى الايمان هم السّابقون على الكلّ كقول الشّاعر: انا ابو النّجم وشعرى شعرى، او السّابقون الثّانى تأكيدٌ للاوّل وقوله تعالى { أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ } خبره، او بدل منه واولئك المقرّبون مبتدءٌ وخبرٌ، او موصوف وصفة فالوقف عليه، او الوقف على قوله تعالى { فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } فانّه خبرٌ او خبرٌ بعد خبرٍ، او حالٌ، او خبر مبتدءٍ محذوفٍ.
اعلم، انّ بنى آدم لمّا كانوا جامعين بالقوّة لجميع انموذجات الموجودات وهذا معنى
{ { وَعَلَّمَ آدَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا } [البقرة:31]، كانوا اذا صاروا بالفعل فى شيءٍ من الاشياء صاروا من جنس ذلك الشّيء بحسب الباطن، ولذلك قيل: انّ الانسان بحسب الصّورة نوعٌ واحدٌ وبحسب الباطن انواعٌ مختلفةٌ، وانّ العوالم بحسب الامّهات ثلاثة: عالم الارواح الخبيثة، وعالم الارواح الطّيّبة، والعالم الواقع بين العالمين، وهو عالم الطّبائع والكيان، وانّ تلك العوالم بمنزلة شخصٍ انسانىٍّ يمينه عالم الارواح الطّيّبة، وشماله عالم الارواح الخبيثة، والانسان الواقع بين هذين العالمين ما لم يتمكّن فى شيءٍ من العالمين بل كان حاله باقيةً على البرزخيّة بينهما لا يحكم عليه بشيءٍ من العالمين والخارج من البرزخيّة المتمكّن فى الارواح الخبيثة يحكم عليه بانّه منهم، وانّه من اصحاب الشّمال واصحاب المشئمة، والمتمكّن فى الارواح الطّيّبة يحكم عليه بانّه منهم وانّه من اصحاب اليمين واصحاب الميمنة، والباقى على البرزخيّة لا يحكم عليه بشيءٍ بل هو المرجى لأمر الله وهم اغلب النّاس، والحائز لكمالات الانسان السّابق على اصحاب اليمين وهم الانبياء والاولياء (ع) هو السّابق وبعبارةٍ اخرى الانسان امّا قابلٌ للولاية او معرضٌ عنها، او غير قابلٍ وغير معرضٍ، والمعرض يحكم عليه بحسب اعراضه انّه من اصحاب الشّمال بشرط البقاء على اعراضه، والقابل يحكم عليه بانّه من اصحاب اليمين، وغيرهما مرجىً لامر الله، والقابل للولاية امّا صار بالفعل فى بعض الكمالات وهو السّابق، او لم يصر وهو من اصحاب اليمين، وهذه القسمة بحسب كونهم فى الدّنيا وفى الانظار القاصرة، والاّ فهم بعد الموت وطىّ البرازخ امّا سابقون، او اصحاب اليمين، او اصحاب الشّمال، وهكذا حالهم فى الانظار البالغة فى الدّنيا، فانّ النّاظرين فى العواقب يحكمون على الانسان بكونه من اصحاب الشّمال، او اصحاب اليمين، او السّابقين، فالاقسام اربعة فى الدّنيا عند القاصرين وثلاثة فى الآخرة وفى الدّنيا عند الكاملين فى الانظار، وقد مضى فى سورة المائدة عند قوله تعالى بل يداه مبسوطتان بيانٌ للشّمال واليمين وانّهما بالنّسبة الى انفسهما والى العالم تسمّيان باليمين والشّمال، وامّا بالنّسبة الى الله تعالى فكلتا يديه يمين، "وعن النّبىّ (ص) انّه سئل عن هذه الآية فقال (ص): قال لى جبرئيل: ذلك علىّ وشيعته هم السّابقون الى الجنّة المقرّبون من الله بكرامته" ، وعن علىّ (ع) قال: { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ * أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ } والسّابقون السّابقون اولئك المقرّبون فىّ نزلت، وعن الباقر (ع): ونحن السّابقون السّابقون ونحن الآخرون، وقال الصّادق (ع) قال ابى لاناسٍ من الشّيعة؛ انتم شيعة الله، وانتم انصار الله، وانتم السّابقون الاوّلون، والسّابقون الآخرون، والسّابقون فى الدّنيا الى ولايتنا، والسّابقون فى الآخرة الى الجنّة.