التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
١٢
يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ ٱلْعَذَابُ
١٣
-الحديد

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } ظرف ليضاعفه او للخبر فى قوله تعالى له اجر كريم او لكريم، او ظرف ليقال المقدّر عند قوله تعالى بشريكم اليوم او ظرف ليسعى والمعنى كلّما ترى المؤمنين { وَٱلْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم } يعنى انّك فتحت بصيرتك فيوم ترى المؤمنين تريهم يسعى نورهم بين ايديهم والمراد بهذا النّور هو الكيفيّة الدّاخلة فى قلب البائع البيعة الخاصّة الولويّة بقبول الولاية وهو فعليّته الاخيرة ولذلك يصير ابناً لمن باع معه وقد يرى فى الواقعة بصورة من باع على يده، وقد يرى بصورة ولده من صلبه وتلك الكيفيّة ليست كيفيّة عرضيّة بل هى صورة جوهريّة نازلة من ولىّ امره داخلة فى قلبه وقوله تعالى: { { وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } [الحجرات:14] اشارة الى تلك الصّورة، وتلك الصّورة لا ترى بالابصار الحسّيّة، وترى بالبصيرة فى الدّنيا والآخرة، وفى البرازخ والآخرة يخلّص تلك الصّورة من غواشى المادّة ويخلّص البصيرة لكلّ احدٍ من حجاب البصر فيشهدها كلّ احد ويشهدها صاحب النّور ايضاً فيرى تلك الكيفيّة بصورة امامه يسعى بين يديه، واختيار بين الايدى والايمان لانّ تلك الصّورة نورانيّة يستنير منها كلّما تظهر عليه، وخلف المؤمن الدّنيا الظّلمانيّة، وشماله الملكوت السّفلى الّتى هى اظلم ولا مناسبة للنّورانىّ مع الظّلمانىّ، وقدّامه عالم الغيب الّذى هو نور محض، ويمينه عالم الارواح الطّيّبة الّذى هو ايضاً نورانىٌّ، وقد يظهر ذلك النّور على السّالك اذا اشتدّ محبّته واستقام فى سلوكه ومات بالموت الاختيارىّ، وهذا هو الّذى يقوله الصّوفيّة من انّه ينبغى للسّالك ان يكون اهتمامه فى سلوكه بحصول حال الحضور، وها هو معرفة علىٍّ (ع) بالنّورانيّة الّتى هى معرفة الله، وهذا هو المسمّى بالحضور والسّكينة والفكر، وهذا هو ذكر الله الحقيقىّ { بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ } اى تقول او يقول الملائكة او يقال بشريكم اليوم { جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا } قد مضى فى آخر آل عمران بيان جريان الانهار من تحت الجنّات { ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ } بدل من يوم ترى المؤمنين او من اليوم { وَٱلْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱنظُرُونَا } انظروا الينا او انتظروا لنا { نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } ولمّأ لم يكن بين المؤمنين ونورهم وبين المنافقين مناسبة { قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ } كما كنتم فى الدّنيا راجعين الى ورائكم { فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً } قيل ذلك لهم استهزاءً { فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ } حائطٍ { لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ } اى باطن الباب او باطن السّور { فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ ٱلْعَذَابُ } فانّ السّور هو الحجاب الحاجز بين الملكوت السّفلى والملكوت العليا، وباطنه الى الملكوت العليا وفيها الرّحمة والرّضوان، وظاهره الى الملكوت السّفلى وفيها الجحيم ونيرانها وانواع عذابها.