التفاسير

< >
عرض

سَابِقُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ
٢١
مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ
٢٢
لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ
٢٣
-الحديد

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ سَابِقُوۤاْ } هذا بمنزلة النّتيجة او جوابٌ لسؤالٍ مقدّرٍ ناشٍ من سابقه كأنّه قيل: ان كان الحياة الدّنيا متاع الغرور وفى الآخرة عذابٌ لاهلها او مغفرة فما نفعل؟ - فقال: سابقوا { إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } قد مضى فى سورة آل عمران بيان تشبيه عرض الجنّة بعرض السّماوات والارض { أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ } هذه صفة او حال او مستأنفة { ذَلِكَ } الايمان بالله ورسله او ذلك المذكور من المغفرة والجنّة { فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } فانّ مبدء التّوفيق للايمان الّذى هو سبب المغفرة والجنّة منه تعالى فلا يدخل الجنّة احد بنفسه ولا بعمله { وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ مَآ أَصَابَ } منقطعة عن سابقها او جوابٌ لسؤالٍ ناش من السّابق كأنّه قيل: ان كان الله ذا الفضل بعباده فممّ يكون هذه المصائب والبلايا؟ - فقال فى الجواب: ما اصاب { مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ } فى العالم الكبير من البلايا العامّة الواردة على اموال اهل الارض { وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ } اى من قبل ان نبرأ الأنفس او من قبل ان نبرأ الارض والانفس والمراد بالكتاب كتاب اللّوح المحفوظ والمقصود انّه ليست المصائب الاّ بعلمنا وقدرتنا واصابتنا { إِنَّ ذَلِكَ } الثّبت فى الكتاب { عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ } متعلّق بقوله فى كتاب او متعلّق بمحذوفٍ والتّقدير اخبرناكم بذلك لتعلموا انّ ما يقع فى الارض هو ثابت فى اللّوح وبعلمنا وارادتنا لكيلا تأسوا { عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ } ولكى تصبروا وترضوا عند ما فاتكم وتشكروا الله عند ما آتيكم وهذا هو غاية الزّهد فانّ عدم التّغيّر فى فوت ما فى اليد وفى اتيان ما ليس فى اليد كمال الزّهد كما روى عن امير المؤمنين (ع) انّه قال: الزّهد كلّه بين كلمتين من القرآن قال الله تعالى: { لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ }، ومن لم يأس على الماضى ولم يفرح بالآتى فقد اخذ الزّهد بطرفيه، وعن الباقر (ع): نزلت فى ابى بكرٍ واصحابه واحدة مقدّمة وواحدة مؤخّرة لا تاسوا على ما فاتكم ممّا خصّ به علىّ بن ابى طالبٍ (ع) ولا تفرحوا بما اتيكم من الفتنة الّتى عرضت لكم بعد رسول الله (ص) { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } عطف على قوله ما اصاب والمقصود انّ عدم الحزن على الفائتة وعدم الفرح قد يكون للاختيال والفخر وليس هذا ممدوحاً انّما المدح على ذلك اذا كان للزّهد فى الدّنيا، او المعنى انّ المصّدّقين المنفقين والمؤمنين كذلك وغير المصّدّقين الّذين يختالون ولا ينقصون من انانيّاتهم، والّذين يفخرون ولا يؤمنون بالله ورسوله مبغوضون لله فانّه قد تكرّر فيما سبق انّ مفهوم هذه العبارة وان كان اعمّ من كونهم مبغوضين لكنّ المراد بحسب المقام ذلك.