التفاسير

< >
عرض

لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِٱلْغَيْبِ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ
٢٥
-الحديد

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ } اى بأحكام الرّسالة او المعجزات الدّالّة على صدقهم فمن اراد الايمان فليقبل عليهم { وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ } اى كتاب النّبوّة والكتب التّدوينيّة والملل الالهيّة صورها ولهذا ورد عن الصّادق (ع) فى هذه الآية الكتاب الاسم الاكبر الّذى يعلم به علم كلّ شيءٍ الّذى كان مع الانبياء (ع) قال: وانّما عرف ممّا يدعى كتاب التّوراة والانجيل والفرقان فيها كتاب نوحٍ وفيها كتاب صالحٍ وشعيب وابراهيم (ع) فأخبر الله عزّ وجلّ { إِنَّ هَـٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ } (ع) [الأعلى:18-19] فاين صحف ابراهيم؟ انّما صحف ابراهيم (ع) الاسم الاكبر وصحف موسى (ع) الاسم الاكبر { وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ } الميزان كلّما يقاس به شيءٌ آخر من ذوى الكفّتين والقبان وخيوط البنّائين وسيرة السّلاطين فى سلطنتهم واحكام الشّرائع القالبيّة الملّيّة والعقل والرّسول والرّسالة والولىّ والولاية والكتب السّماويّة، لكنّ الميزان الّذى يقوم النّاس به بالقسط هو الولاية وقبولها واحكامها وولىّ الامر فانّ كلّما سواها ميزانٌ لقيام النّاس بالقسط بشرط اتّصاله بها، فالمراد بالكتاب الّذى مع الرّسل هو النّبوّة والرّسالة وهما الاسم الاكبر الّذى كلّ شيءٍ فيه وشرائع الرّسل وكتبهم صورتهما، والمراد بالميزان هو الولاية الّتى نزلت من مقامها العالى الى بشريّة الرّسل وظهرت بعدهم فى اوصيائهم ليقوم النّاس بها بالقسط، ولمّا كانت الولاية الّتى هى ميزان العدل والنّبوّة والرّسالة اللّتان هما ميزانان بالولاية من اعظم اسباب قيام النّاس بها بالقسط أتى بهذه الغاية قبل ذكر الحديد واضاف الحديد بعدها فقال { وَأَنزْلْنَا ٱلْحَدِيدَ } يعنى مع الرّسل او مطلقاً لكن لمّا كان المنظور من ذكر الحديد ترتّب غاية نصرة الرّسل عليه وعلى ما سبقه فالاولىٰ ان يقال: وانزلنا الحديد مع الرّسل، ومعنى انزال الحديد مع انّه يتكوّن فى المعادن ايجاده، او المقصود انّ كلّ موجودٍ فى هذا العالم كان موجوداً فى عالم المثال وفى العوالم الّتى فوقه ثمّ نزل من تلك العوالم الى عالم الكون والفساد { فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } كما يرى من قطع الاعضاء والمفاصل من الحيوان به وقطع حياة الحيوان والانسان به { وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } لانّ منه آلات اكثر الصّنّاع والصّنائع { وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِٱلْغَيْبِ } حالكون النّاصر بالغيب من الله، او حالكون الله بالغيب من النّاصر، او هو ظرف لينصره وقوله تعالى ليعلم عطف على قوله ليقوم النّاس وقد مضى وجه تأخيره عن نزول الحديد { إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } لا حاجة له الى نصرتكم لانّه قوىّ يقدر على كلّ ما اراد عزيز لا مانع له من مراده ولا غالب عليه وانّما اراد اختباركم بذلك وامتياز الكافر والمنافق من المؤمن الموافق.