التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ رِضْوَانِ ٱللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
٢٧
-الحديد

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا } من انبياء بنى اسرائيل وموسى (ع) وشعيب (ع) { وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا } بالنّسبة الى دين موسى (ع) لا انّهم ابتدعوها فى الدّين حتّى تكون بدعة، والرّأفة اشدّ الرّحمة او ارقّها او ما يظهر اثره فى الظّاهر، والرّحمة ما لا يظهره اثره في الظّاهر او بالعكس، والرّهبانية والرّهبة مصدرا الرّاهب واحد رهبان النّصارى الّذين كانوا ينقطعون عن النّاس ويلبسون المسوح ويتعبّدون فى الجبال وفى الخلوات { مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ } اى ما القيناها فى قلوبهم { إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ رِضْوَانِ ٱللَّهِ } اى الاّ لابتغاء رضوان الله او فى حال ابتغاء رضوان الله فانّه لا يجوز ان يكون مفعولاً له لكتبنا او المعنى انّهم ابتدعوها وما فرضناها عليهم اصلاً ولكنّهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله فيكون الاستثناء منقطعاً ولكن قوله تعالى { فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا } يؤيّد المعنى الاوّل بان جعلوها بأهوية انفسهم او ما عملوا بمقتضاها، او ما قصدوا بها رضوان الله، او ما انتهوا بها الى خليفة الله المؤسّس لآداب السّلوك الى الله ونسب الى النّبىّ (ص) انّه قال لتكذيبهم بمحمّدٍ (ص) { فَآتَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بمحمّدٍ (ص) { مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } عن اتّباع ولىّ الامر وخليفة الله، روى عن رسول الله (ص) انّه قال: "اختلف من كان قبلكم على ثنتين وسبعين فرقةً نجا منهما ثنتان وهلكت سائرهنّ فرقة قاتل الملوك على دين عيسى (ع) فقتلوهم، وفرقة لم يكن لهم طاقة لموازاة الملوك ولا ان يقيموا بين ظهرانيّهم يدعونهم الى دين الله تعالى ودين عيسى (ع) فساحوا فى البلاد وترهّبوا" وهم الّذين قال الله عزّ وجلّ: { وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا } ثمّ قال: (من آمن بى وصدّقنى واتّبعنى فقد رعاها حقّ رعايتها، ومن لم يؤمن بى فاولئك هم الهالكون).