التفاسير

< >
عرض

لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّن فَضْلِ ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ
٢٩
-الحديد

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ } لا زائدة والمعنى على ما ذكر فى نزول الآية ليعلم اهل الكتاب اى اليهود والنّصارى { أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّن فَضْلِ ٱللَّهِ } قيل فى نزوله: انّ رسول الله (ص) بعث جعفراً فى سبعين راكباً الى النّجاشىّ يدعوه فقدم عليه ودعاه فاستجاب له وآمن به، فلمّا كان عند انصرافه قال ناس ممّن آمن به من اهل مملكته وهم اربعون رجلاً: ائذن لنا فنأتى هذا النّبى فنسلّم به فقدموا مع جعفرٍ فلمّا رأوا ما بالمسلمين من الخصاصة استأذنوا رسول الله (ص) وقالوا: يا نبىّ الله انّ لنا اموالاً ونحن نرى ما بالمسلمين من الخصاصة فان اذنت لنا انصرفنا فجئنا باموالنا فواسينا المسلمين بها، فأذن لهم فانصرفوا فأتوا باموالهم فواسوا بها المسلمين فانزل الله فيهم: { { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ } [القصص:52] (الى قوله) { { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } [القصص:54] فلمّا سمع اهل الكتاب ممّن لم يؤمن به قوله { { أُوْلَـٰئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ } [القصص:54] فخروا على المسلمين فقالوا: يا معاشر المسلمين امّا من آمن منّا بكتابكم وكتابنا فله اجران، ومن آمن منّا بكتابنا فله اجر كاجوركم فما فضلكم علينا؟ - فنزل قوله تعالى:{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ } (الآية) فجعل لهم اجرين وزادهم النّور والمغفرة يعنى جعلنا لمن آمن بمحمّدٍ (ص) واتّقى اجرين، ليعلم اهل الكتاب انّهم لا يقدرون على شيءٍ من فضل الله { وَأَنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } ولكن نقول على ما ذكر من الفرق بين الاسلام والايمان والملّة والدّين وانّ المراد بقوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } يا ايّها الّذين اسلموا بقبول الدّعوة الظّاهرة والبيعة العامّة وانّ قوله آمنوا امر بالايمان الحقيقىّ وقبول الدّعوة الباطنة بالبيعة الخاصّة الولويّة يجوز ان يراد باهل الكتاب اهل الملّة سواء كان بنحو النّحلة او بقبول الرّسالة بالبيعة العامّة وسواء كانوا اهل ملّة محمّدٍ (ص) او اهل سائر الملل وان لا يكون لا فى قوله لئلاّ يعلم اهل الكتاب زائدة، ويكون تعليلاً للقول المستفاد من قوله: { آمِنُواْ بِرَسُولِهِ } بالبيعة الخاصّة يعنى قلنا آمنوا برسوله بقبول الدّعوة الباطنة لانّ القانعين بالبيعة الاسلاميّة الّذين كانوا اهل كتاب الرّسالة لا يعلمون انّهم لا يقدرون على شيءٍ من فضل الله بل يظنّون انّهم قادرون على فضل الله الظّاهر من اموال الدّنيا وفضل الله الباطن من درجات الايمان ومقامات الرّسالة والنّبوّة والولاية كما كنّا نسمع من بعضٍ يقول: اذا خلونا اربعين يحصل لنا كثير من المراتب الغيبيّة، واذا آمنتم بالرّسول (ص) بالبيعة الخاصّة الولويّة وقبلتم الولاية ظهر لكم قصوركم وانّكم لا تقدرون على شيءٍ من فضل الله وبذلك تتدرّجون فى نقصان الانانيّة الّتى هى اعظم المعاصى فى الطّريق، واذا لم تعلموا ذلك تتدرّجون فى ازدياد الانانيّة.