التفاسير

< >
عرض

لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٢
هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ وَٱلظَّاهِرُ وَٱلْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
٣
-الحديد

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } وجه آخر لتسبيح كلّ شيءٍ له { يُحْيِـي } على الاستمرار فى كلّ آنٍ جمعاً بنفخ الحياة الحيوانيّة فى الاجنّة { وَيُمِيتُ } على الاستمرار جمعاً من الحياة الحيوانيّة، او يحيى على الاستمرار نفوساً بالحياة الانسانيّة بنفخ النّفخة الولويّة فيهم ويميت نفوساً عن الحياة الانسانيّة، او يحيى بالحياة البرزخيّة ويميت عن الحياة الحيوانيّة، او يحيى الاراضي بالنّبات، والنّبات بالماء والنّضارة والطّراوة والحيوان بالحياة الحيوانيّة، والانسان بالحياة الانسانيّة، ويميت كلّ ذلك بالموت المناسب له، او يحيى كلّ شيءٍ باخراجه من القوى والاستعدادات على الاستمرار ويميت ذلك الشّيء عن الفعليّات النّاقصة، وهذا اوفق بتسبيح الاشياء كأنّه قال: سبّح لله ما فى السّماوات وما فى الارض بالخروج من القوى الى الفعليّات، والمخرج هو الله لانّه يحيى بالفعليّات ويميت عن النّقائص { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ } من الاماتة والاحياء وغير ذلك { قَدِيرٌ هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ } اى هو الاوّل فى تركيب الموجودات وهو الآخر فى تحليلها نظير الوحدة فى الاعداد وللاشارة الى هذا ورد: يا من لك وحدانيّة العدد، فانّ مراتب الاعداد كلّها تركيبها من الوحدة لا غير، وتحليلها الى الوحدة لا غير، وبهذا اللّحاظ قال تعالى { وَٱلظَّاهِرُ وَٱلْبَاطِنُ } فانّ مراتب الاعداد ظواهرها وبواطنها ليست الاّ الوحدة وما به التّميّز بين المراتب ليس الاّ اعتباريّاً عدميّاً، او المعنى هو الاوّل بلحاظ المراتب واعتبار حيثيّة العلّيّة والمعلوليّة فانّه تعالى بهذا اللّحاظ اوّل العلل الفاعليّة وآخر العلل الغائيّة لانّه مسبّب الاسباب وعلّة العلل وغاية الغايات ونهاية النّهايات، او المعنى هو الاوّل فى الادراك فانّ الظّاهر على المدارك اوّلاً هو الوجود الّذى حقيقته الحقّ الاوّل تعالى والآخر فى الادراك بمعنى انّ المدرك كلّما ميّز مدركاته بعض اجزائها من بعضٍ لم يجد المدرك فى الحقيقة الاّ الاوّل تعالى شأنه فكان آخر المدركات هو الاوّل تعالى وبهذا المعنى قال تعالى والظّاهر والباطن يعنى انّ المدرك من الاشياء اوّلاً هو الاوّل تعالى لانّه الظّاهر من كلّ الاشياء، والمدرك من الاشياء آخراً هو ايضاً لانّه الباطن من كلّ شيءٍ، والباطن المختفى من الادراك المدرك بالتّعمّل من الاشياء، او هو اشارة الى ما يقوله الصّوفيّة من مقام التّوحيد الّذى يظهر لبعض السّالكين بطريق الحال، ولبعضٍ بنحو المقام، ولا يجوز التّفوّه به لاحدٍ ما لم يصر ذلك التّوحيد حالاً او مقاماً له، واذا صار حالاً للسّالك لا يجوز التّفوّه به له حين زواله، واذا لم يكن ذلك التّوحيد حاله او مقامه فتفوّه به كان مباح الدّم وهو ان يتجلّى الله للسّالك باسم الواحد او الاحد فلا يرى فى الوجود الاّ الواحد او الاحد فلا يرى اوّلاً ولا آخراً ولا علّةً ولا معلولاً ولا ظاهراً ولا باطناً ولا صاعداً ولا نازلاً ولا مدركاً ولا مدركاً بل يرى كلّ ذلك اعتباراتٍ من النّفوس المحجوبة عدميّاتٍ لا حقّيّة ولا حقيقة لها فيكون المعنى هو الاوّل من غير اعتبار اوّليّةٍ له، وهو الآخر من غير اعتبار آخريّةٍ له، وهو الظّاهر والباطن كذلك يعنى ليس شيءٌ وشيءٌ ولا اعتبار واعتبار فى دار الوجود، والى هذا المقام كانت الاشارة فى هذا الشّعر:

حلول واتحاد اينجا محال است كه در وحدت دوئى عين ضلال است

وكلّما ذكروا نثراً ونظماً من هذه المقولة كان اشارة الى هذا المقام او ناشئاً منه، والى عدم جواز التّفوّه بهذا الوحدة وعدم جواز اعتبارها لغير من كانت حاله او مقامه قيل:

آلا تابا خودى زنهار زنهار عبارات شريعت را نكَهدار

{ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } بمنزلة قوله تعالى: وهو بكلّ شيءٍ محيط فانّ علمه عين ذاته ولاحاطته بكلّ الاشياء كان اوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً من الجميع.