التفاسير

< >
عرض

وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُواْ بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ
٨
هُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَإِنَّ ٱللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ
٩
وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَـٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ وَكُلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
١٠
-الحديد

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } لا تذعنون او لا تسلمون بالبيعة العامّة النّبويّة او لا تؤمنون بالبيعة الخاصّة الولويّة { وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُواْ بِرَبِّكُمْ } المطلق الّذى هو ربّ الارباب، او بربّكم فى الولاية وهو علىٌّ (ع) { وَقَدْ أَخَذَ } الله { مِيثَاقَكُمْ } فى عالم الذّرّ بالايمان بالله او بالبيعة مع محمّدٍ (ص) او بالبيعة مع علىٍّ (ع) وقد اخذ الرّسول (ص) ميثاقكم بعدم التّخلّف عن قوله فى البيعة العامّة، وقرئ بالبناء للمفعول { إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } اى مصدّقين مذعنين او بائعين البيعة العامّة الاسلاميّة وجوابه محذوفٌ بقرينة السّابق اى ان كنتم مؤمنين فما لكم لا تؤمنون بعلىٍّ (ع) بالبيعة الخاصّة الولوليّة وقد اخذ الرّسول (ص) ميثاقكم على عدم التّخلف عن قوله { هُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ } الّذى هو الرّسول (ص) الدّاعى لكم الى الايمان بعلىٍّ (ع) { آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } من الآيات القرآنيّة والمعجزات النّبويّة { لِّيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } اى من ظلمات المادّة والشّبهات والشّكوك والاهوية والتّعلّقات الى نور التّجرّد واليقين والاطلاق من الاهوية والتّعلّقات { وَإِنَّ ٱللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } حالكونكم فى سبيل الله الّذى هو الجهاد، او سبيل الحجّ او سبيل الهجرة الى الرّسول (ص) او الى الامام، او حالكونكم فى طريق القلب والسّلوك اليه والى الله، او ما لكم ان لا تنفقوا فى تحصيل سبيل الله وهو الولاية وطريق القلب، او ما لكم لا تنفقون فى تعظيم سبيل الله وهو كلّ خيرٍ من العبادات والجهاد والحجّ، او هو الرّسالة، او الولاية { وَلِلَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } جملة حاليّة فى موضع التّعليل، واضافة الميراث امّا بيانيّة او بتقدير فى او بتقدير اللاّم فانّ سماوات الارواح وما فيها واراضى الاشباح وما فيها ميراث مقام المشيّة يرثها الانسان الكامل والعقول من المشيّة، ويرثها ما بعد العقول من العقول، وما بعد النّفوس من النّفوس، وما بعد عالم المثال من عالم المثال، والكلّ من الله تعالى، والمواليد المكوّنة ميراث ومتخلّف من الكمّلين من بعضٍ لبعضٍ، والاموال العرضيّة الدّنيويّة ميراث من بنى آدم من بعضٍ الى بعضٍ فما بال ما كان لله لا تنفقون منها بأمره تعالى { لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَاتَلَ } ومن انفق من بعد الفتح وقاتل فحذف القرين بقرينة ما يأتى.
الانفاق قبل الفتح
اعلم، انّ الفتح يطلق على النّصر والظّفر، وعلى اعطاء الله الغنائم الدّنيويّة او الاخرويّة الّذى هو لازم الظّفر وفتح البلاد وفتح باب القلب وعلى فتح البلاد وعلى فتح باب القلب، والمخاطبون كانوا مسلمين مقصوراً همم اكثرهم على الظّفر على الاعداء وفتح البلاد وجمع الغنائم الدّنيويّة، ومؤمنين مقصوراً همم اكثرهم على فتح باب القلب وجمع الغنائم الاخرويّة، وآيات القرآن منزّلة على مراتب حالات النّاس بكثرتها وسعتها، واختلاف التّفاسير الواردة من المعصومين (ع) باعتبار اختلاف احوال النّاس، وسعة وجوه القرآن بحسب سعة احوال النّاس فصحّ ان يقال: لا يستوى منكم من أنفق من قبل النّصر والظّفر، او من قبل الغنائم الدّنيويّة او الاخرويّة، او من قبل فتح البلاد للمسلمين او من قبل فتح مكّة وان يقال: لا يستوى منكم من أنفق من قبل فتح باب القلب الى الملكوت ومن أنفق بعد قوّة المسلمين وغلبتهم، وحين كثرة الغنائم وقوّة رجاء تعاقبها وتعاقب فتح البلاد، وحين انفتاح باب القلب وشهود ما لا عينٌ رأت ولا اذنٌ سمعت، فانّ الانفاق والمقاتلة قبل ذلك لا يكونان الاّ عن قوّة اليقين وثبات القلب وقوّة الشّجاعة والسّخاوة، وامّا بعد الحضور فلا يبقى عدوٌّ وقوىّ حتّى يكون المقاتلة صعباً ولا يبقى ميلٌ ومحبّة الى ماله من الاموال والقوى والانانيّات لوجدان العوض الاشرف الاعلى الابهى حتّى يكون الانفاق صعباً، فالمنفق والمقاتل حين ضعف المسلمين كان اعظم درجة لكونه اقوى يقيناً والمنفق والمقاتل فى الغياب البتّة اعظم اجراً من المنفق والمقاتل فى الحضور، وقيل: لا يستوى منكم من انفق من قبل فتح الرّسول (ص) بسبب المعراج فانّه (ص) بعد المعراج كان اقوى تأثيراً، ومن أنفق قبل المعراج كان كالّتى يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نارٌ، ونعم ما قال المولوىّ رضوان الله عليه فى بيان هذه الآية:

يؤمنون بالغيب مى بايد مرا زان ببستم روزن فانى سرا
ليك يك درصد بود ايمان بغيب نيك دان وبكَذ راز ترديد وريب
بندكَى درغيب آيد خوب وكش حفظ غيب آيد دراستبعاد خوش
قلعه دارى كز كنار مملكت دور از سلطان و سايه سلطنت
باس دارد قلعه را ازدشمنان قلعه نفروشد بمال بى كران
نزد شه بهتر بود از ديكَران كه بخدمت حاضر ندوجان فشان
بس بغيبت نيم ذرّه حفظ كار به كه اندر حاضرى زان صد هزار

{ أُوْلَـٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ وَكُلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ } المثوبة الحسنى او العاقبة الحسنى { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } فلا حاجة لكم فى اعمالكم الى الحضور.