التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلْمَجَالِسِ فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
١١
-المجادلة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } لمّا اراد ان يأمرهم بادب من الآداب الّتى يكرهونها ناداهم تلطّفاً بهم وجبراناً لكلفة التّأدّب بما يكرهون { إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلْمَجَالِسِ فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ } الفسحة بالضّمّ السّعة، فسح المكان ككرم وافسح وتفسّح وانفسح فهو فسيح وفسح له كمنع وتفسّح وسّع له { وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ } نشز من باب نصر وضرب ارتفع فى مكانٍ وقرئ بهما، قيل: كانوا يتنافسون فى مجلس النّبىّ (ص) حتّى جاء جمع من البدريّين وكان النّبىّ (ص) مكرماً لهم فقاموا بين يدى النّبىّ (ص) ولم يكن لهم مجلس يجلسون فيه فقال النّبىّ (ص): "يا فلان، يا فلان، يا فلان، قوموا فقاموا" ، وكان ذلك شاقّاً على بعضٍ فنزلت يعنى { إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلْمَجَالِسِ } يعنى لا يضمّ بعضكم ببعض حتّى تتأذوا من حرارة الهواء وحرارة الانضمام، واذا قيل: وسّعوا فى المجالس بان تخلّوا لمن يأتى بعدكم مجلساً بان يضمّ بعضكم ببعضٍ حتّى يخلّى مجلس للآتى، او يقوم بعض عن مجلسه بعد زيارته للرّسول (ص) وقضاء وطره حتّى يجلس فى مجلسه من يأتى بعده فافسحوا، وذكر الغاية المترتّبة على الامتثال تطييباً لنفوسهم فقال: { يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ } ولم يقيّده بالمجالس ايهاماً للتّعميم يعنى يفسح الله لكم فى المجالس والارزاق والصّدور فى الدّنيا والآخرة، واذا قيل: ارتفعوا وقوموا عن مجالسكم فقوموا ولا تغتمّوا بذلك { يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ } فى الدّنيا بحسن الصّيت والاعزاز من الخلق والتّبسّط عليهم وفى الآخرة فى درجات الجنان { وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } خصّص المؤمنين برفع الدّرجات لانّ غير المؤمنين لا درجة ولا رفع درجة لهم لانّ اجر العمل مشروط بالايمان، وخصّص العلماء من بينهم بالذّكر لشرفهم وعلوّ درجاتهم بالنّسبة الى المؤمنين، فانّ فضل العالم على سائر النّاس كفضل النّبىّ (ص) على سائر الخلق او كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، والشّفعاء يوم القيامة ثلاثة؛ الانبياء (ع) ثمّ العلماء ثمّ الشّهداء، ويوزن دماء الشّهداء مع مداد العلماء فيرجّح مداد العلماء على دماء الشّهداء { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ } من امتثال اوامره ونواهيه ومخالفتهما { خَبِيرٌ } ترغيبٌ وتهديدٌ.