التفاسير

< >
عرض

لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوۤاْ آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ ٱللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
٢٢
-المجادلة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوۤاْ آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ } وذلك لانّ نسبة الايمان الى صاحب الايمان اذا ظهرت وقويت غلبت على النّسب الجسمانيّة لانّ الانسان بالبيعة الخاصّة الولويّة ودخول الايمان والصورة الولويّة فى قلبه بالبيعة يصير فعليّته الاخيرة هى فعليّة الايمان ويكون الحكم لتلك الفعليّة لا للفعليّات السّابقة الّتى هى كالمادّة ويكون محبّته ناشئةً من تلك الفعليّة، وتلك الفعليّة مضادّة لمن حادّ الله ورسوله فلا يصير محبّته النّاشئة عن صورة ولىّ الامر متعلّقة بمن ضادّ تلك الفعليّة { أُوْلَـٰئِكَ كَتَبَ } اى كتب الله، وقرئ كتب مبنيّاً للمفعول اى ثبت ورسخ { فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ } وهو الصّورة الدّاخلة فى قلوبهم من ولىّ امرهم { وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ } المقصود من الرّوح هو ربّ النّوع الانسانىّ وتأييده بالرّوح بان يوكّل عليه ملكاً من جنود هذه الرّوح يؤيّده ويسدّده به فانّ لقلب المؤمن اذنين اذن ينفث فيها الوسواس الخنّاس واذن ينفث فيها الملك الموكّل عليه من قبل ربّ النّوع، وعن الكاظم (ع) انّ الله تبارك وتعالى ايّد المؤمن بروحٍ منه فتحضره فى كلّ وقت يحسن فيه وتبقى وتغيب عنه فى كلّ وقتٍ يذنب فيه ويعتدى فهى معه تهتزّ سروراً عند احسانه وتسيخ فى الثّرى عند اساءته فتعاهدوا عباد الله نعمه باصلاح انفسكم تزدادوا يقيناً وتربحوا نفيساً ثميناً، رحم الله امرءً همّ بخيرٍ فعمله وهمّ بشرٍّ فارتدع عنه، ثمّ قال: نحن نؤيّد بالرّوح بالطّاعة لله والعمل له هذا فى الدّنيا { وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } قد مضى بيان جريان الانهار من تحت الجنّات فى آخر سورة آل عمران { خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ }.
اعلم، انّ انفحّة الولاية الّتى تدخل قلوب المؤمنين كما انّها سبب انعقاد القلب على الايمان تكون مادّة رضوان الله عن عباده كما قال
{ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأِسْلاَمَ دِيناً } [المائدة:3] ولمّا كان قبول الولاية بالبيعة الخاصّة مادّةً لرضوان الله لم يقدّم رضا العباد على رضاه كما قدّم ما للعباد فى سائر الاوصاف على صفته مثل { { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ } [البقرة:152] { { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } [البقرة:40] و { لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ } [إبراهيم:7] { أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ ٱللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }.
اعلم، انّ الانسان ان دخل الايمان الّذى هو صورة ولىّ امره فى قلبه بالبيعة مع ولىّ امره والتّوبة على يده صار فعليّته الاخيرة فعليّة ولىّ امره وولىّ امره من جند الله فيصير البائع بتلك البيعة بواسطة تلك الفعليّة من جند الله، وينصر بجنوده وجنود مملكته ولسان قاله وحاله دين الله، ويقاتل بفطرته وباختياره مع جنود الشّيطان ويدعو عباد الله بوجوده ولسان حاله وقاله الى الله، ومن تمكّن فى الجهل واتّباع الشّيطان صار من حزب الشّيطان وكان للشّيطان مثل من كان من حزب الله لله، ومن لم يدخل الايمان فى قلبه ولم يتمكّن فى اتّباع الشّيطان لا يحكم عليه بشيءٍ من كونه من جنود الرّحمن او الشّيطان كما لا يحكم عليه بالنّقمة او النّعمة بل كان مرجىً لامر الله الى الاعراف امّا يعذّبه وامّا يتوب عليه.