التفاسير

< >
عرض

سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
١
هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَاهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي ٱلْمُؤْمِنِينَ فَٱعْتَبِرُواْ يٰأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ
٢
-الحشر

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ } الحشر اخراج جمعٍ من مكانٍ الى آخر والمعنى اخرجهم فى اوّل حشر المؤمنين اليهم للقتال، او فى اوّل حشرهم من حصونهم للقتال، او لاجل حشرهم الاوّل الى الشّام او الى خيبر وثانى حشرهم الى القيامة او الى الشّام، او وقت ظهور القائم (ع) من الشّام، او فى القيامة من الشّام، او المعنى فى اوّل حشرٍ وجلاءٍ وقع فى زمان الرّسول (ص) وبعده وقع جلاءٌ وحشرٌ لغيرهم على يد الرّسول (ص) { مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ } اى من بأس الله { فَأَتَاهُمُ ٱللَّهُ } اى أتاهم عذابه او بأسه او خليفته { مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ } لقوّة وثوقهم واعتمادهم على حصونهم فأتاهم بأس الله فى حصونهم، عن القمّىّ سبب ذلك انّه "كان بالمدينة ثلاثة ابطن من اليهود، بنى النّضير وقريظة وقينقاع وكان بينهم وبين رسول الله (ص) عهد ومدّة فنقضوا عهدهم وكان سبب ذلك بنى النّضير وذلك انّه اتاهم رسول الله (ص) يستسلفهم دية رجلين قتلهما رجلٌ من اصحابه غيلةً يعنى يستقرض، وكان (ص) قصد كعب بن الاشرف فلمّا دخل على كعبٍ قال: مرحباً يا ابا القاسم واهلاً وقام كأنّه يصنع له الطّعام وحدّث نفسه ان يقتل رسول الله (ص) ويتبع اصحابه، فنزل جبرئيل فأخبره بذلك فرجع رسول الله (ص) الى المدينة وقال لمحمّد بن مسلمة الانصارىّ: اذهب الى بنى النّضير فأخبرهم انّ الله تعالى قد أخبرنى بما هممتم به من الغدر فامّا ان تخرجوا من بلدنا وامّا ان تأذنوا بحربٍ، فقالوا: نخرج من بلادك فبعث اليهم عبد الله بن اُبىٍّ: الاّ تخرجوا وتقيموا وتنابذوا محمّداً الحرب فانّى انصركم انا وقومى وحلفائى، فان خرجتم خرجت معكم وان قاتلتم قاتلت معكم، فأقاموا وأصلحوا حصونهم وتهيّؤا للقتال وبعثوا الى رسول الله (ص) انّا لا نخرج فاصنع ما انت صانع، فقام رسول الله (ص) وكبّر وكبّر اصحابه وقال لامير المؤمنين (ع): تقدّم الى بنى النّضير فأخذ امير المؤمنين (ع) الرّاية وتقدّم وجاء رسول الله (ص) واحاط بحصنهم وغدر بهم عبد الله بن ابىٍّ وكان رسول الله (ص) اذا ظهر بمقدّم بيوتهم حصّنوا ما يليهم وخرّبوا ما يليه، وكان الرّجل منهم ممّن كان له بيت حسن خرّبه وقد كان رسول الله (ص) امر بقطع نخلهم فجزعوا من ذلك وقالوا: يا محمّد (ص) انّ الله يأمرك بالفساد؟! ان كان لك هذا فخذه، وان كان لنا فلا تقطعه، فلمّا كان بعد ذلك قالوا: يا محمّد (ص) نخرج من بلادك فأعطنا مالنا، فقال: لا، ولكن تخرجون ولكم ما حملت الابل، فلم يقبلوا معه شيئاً من ذلك، فبقوا ايّاماً ثمّ قالوا: نخرج ولنا ما حملت الابل، فقال: لا، ولكن تخرجون ولا يحمل احدٌ منكم شيئاً فمن وجدنا معه شيئاً من ذلك قتلناه" ،" فخرجوا على ذلك ووقع قومٌ منهم الى فدك ووادى القرى، وخرج قوم منهم الى الشّام، وقيل: لمّا غزا رسول الله (ص) غزاة بدرٍ قال بنو النّضير: هذا هو النّبىّ الموعود انّه لا تردّ له راية، فلمّا غزا اغراة احدٍ وهزم المسلمون ارتابوا، وكان بينهم وبين محمّدٍ (ص) عهد فنقضوا العهد وركب كعب بن الاشرف فى اربعين راكباً منهم الى مكّة، فأتوا قريشاً وابا سفيان وحالفوا على ان يكون كلمتهم واحدةً على محمّد (ص)، فأخبر الله تعالى رسوله (ص) بذلك، فلمّا ورد كعب بن الاشرف امر الله رسول (ص) بقتل كعب بن الاشرف فأمر محمّد بن مسلمة وكان اخا كعب من الرّضاعة بقتله فخرج محمّد ومعه اربعة رجال وذهب الى قرب قصره واجلس قومه عند جدارٍ وناداه: يا كعب، فانتبه، وقال: من انت؟ - قال: انا محمّد بن مسلمة اخوك، جئتك استقرض منك دراهم فانّ محمّداً (ص) يسألنا الصّدقة وليس معنا الدّراهم فقال: لا اقرضك الاّ بالرّهن، قال: معى رهنٌ انزل فخذه، وكانت له امرأة بنى بها تلك اللّيلة، فقالت: لا ادعك تنزل لانّى ارى حمرة الدّم فى ذلك الصّوت فلم يلتفت اليها فخرج، وعانقه محمّد بن مسلمة وهما يتحادثان حتّى تباعدا من القصر الى الصّحراء، ثمّ أخذ رأسه ودعا بقومه وصاح كعب فسمعت امرأته وصاحت وسمع بنو النّضير صوتها فخرجوا نحوه فوجدوه قتيلاً. ورجع القوم سالمين الى رسول الله (ص)، فأمر رسول الله (ص) بحربهم. قيل: كان اجلاء بنى النّضير مرجع النّبىّ (ص) من اُحدٍ وكان فتح قريظة مرجعه من الاحزاب، وبينهما سنتان. وقيل: كان اجلاء بنى النّضير قبل اُحدٍ على رأس ستّة اشهر من وقعة بدر، وقيل: كان ذلك بعد الحديبيّة، واليه اشار المولوىّ قدّس سرّه بقوله:

وقت واكَشت حديبيّه رسول دَر تفكّر بود و غمكَين و ملول
ناكَهان اندر حق شمع رسل دولت انّا فتحنا زد دهل
آمدش بيغام از دولت كه رو تو زمنع اين ظفر غمكَين مشو
كاندرا بن خوارى بنقدت فتحها ست نك فلان قلعه فلان قلعه تراست
بنكَر آخر جونكه واكَرديد تفت برقريظه وبر نضير ازوى جه رفت

{ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ } كانت بنو النّضير يخربون بيوتهم بأيديهم ضنّةً بها على المسلمين واخراجاً لآلاته النّفيسة وتوسعةً للقتال ومجالة مع المسلمين وتحصّناً باطرافها الّتى تليهم بجمع آلات الاطراف الّتى تلى المسلمين فى الاطراف الّتى تليهم { وَأَيْدِي ٱلْمُؤْمِنِينَ } فانّ المؤمنين ايضاً كانوا يخربون الاطراف الّتى تليهم من بيوتهم لتوسعة القتال وامكان الوصول اليهم، ولمّا كانوا سبباً لقتال المسلمين بنقض العهد نسب الاخراب بايدى المؤمنين اليهم، وقرئ يخرّبون بتشديد الرّاء { فَٱعْتَبِرُواْ يٰأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ } فاتّعظوا بحالهم فانّ الاعتبار عبارة عن ان ينظر الرّجل الى امرٍ حسنٍ او الى امرٍ قبيحٍ وان ينظر الى عاقبته وما يترتّب عليه ثمّ عطف النّظر الى نفسه فارتدع عن القبيح ورغب فى الحسن، وتمسّك بعض من اعتبر القياس بمثل هذه الآية ولا يخفى عدم دلالتها على اعتبار القياس.