التفاسير

< >
عرض

فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ
١٧
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
١٨
-الحشر

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ } اى الشّيطان والانسان الكافر بقوله او عاقبة الفريقين من الممثّل له والممثّل به { أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بالبيعة الاسلاميّة { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } فى ارتكاب المناهى وترك الاوامر القالبيّة، او اتّقوا الله فى نقض البيعة ونقض العهد كعبد الله بن اُبىٍّ وبنى النّضير وبنى قينقاعٍ، او اتّقوا الله فى شوب الاعمال القالبيّة بالاغراض النّفسانيّة المباحة او الغير المباحة، او المعنى يا ايّها الّذين آمنوا بالبيعة الايمانيّة الولويّة اتّقوا الله فى الانحراف عن طريق القلب او اتّقوا الله فى نسيان الذّكر المأخوذ، او فى نسيان الله فى جميع اعمالكم، او المعنى يا ايّها الّذين آمنوا بالايمان الشّهودىّ بشهود ملكوت ولىّ الأمر ونزول السّكينة والحضور عند ولىّ امركم اتّقوا الله فى الالتفات الى غير ولىّ امركم والالتذاذ بغير شهود جماله فانّه ضيف عزيز غيور اذا نظرتم الى غيره او انصرفتم الى لذّة غير لذّة شهود جماله لم يقم فى بيوت قلوبكم وبقى لكم حسرة فراقه وندامته، او اتّقوا الله فى نسبة الافعال والصّفات الى انفسكم حين حضوركم عند ولىّ امركم { وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } نكّر النّفس مع انّ المراد ولتنظر كلُّ نفسٍ ما قدّمت لغدٍ لايهام انّه اذا نظر نفسٌ واحدةٌ من المؤمنين الى اعماله يكفى عن سائر المؤمنين لاتّحادٍ بينهم، او للاشارة الى انّهم نفس واحدة وان كان ابدانهم متعدّدة لانّ فعليّتهم الاخيرة هى صورة ولىّ امرهم النّازلة اليهم بالبيعة وقبول الولاية فعلى هذا يكون المعنى: ولتنظر نفسٌ عظيمةٌ هى صورة ولىّ امرهم وهى فعليّتهم الاخيرة ما قدّمت لغدٍ، ويكون فيه اشارة الى انّ من ينظر الى اعماله الاخرويّة فلينظر بالفعليّة الاخيرة الّتى هى فعليّة الولاية حتّى يمكنه ان يميّز بين صحيحها وفاسدها مشوبها وخالصها، مدّخرها لغده وراجعها الى النّفس والعاجل؛ فانّ هذا التّميز امر صعب لا يحصل الاّ للنّاقد البصير المخلَص، او للاشارة الى انّ نفس ولىّ امرهم نفسيّة الكلّ والمعنى ولتنظر نفسٌ عظيمةٌ ما قدّمت لغدٍ بنفسها فانّ نظرها الى ما قدّمت هى يكفى عن نظر المؤمنين، او لتنظر نفس ولىّ الامر ما قدّمت لغدٍ اى ما قدّمت اتباعها لغدٍ فانّ فعل الاتباع فعل ولىّ الامر بوجهٍ، والمعنى انّ ولىّ الامر مأمور بان ينظر الى اعمال اتباعه ويجبر نقصانها وقال لغدٍ مع انّ المراد ما قدّمت للقيامة للاشارة الى قربها، ولانّ المراتب الطّوليّة كالايّام العرضيّة كلٌّ يجيء بعقب الاخرى وكلٌّ يخلف الاخرى ولانّ المراتب الطّوليّة كلٌّ بالنّسبة الى الاخرى يومٌ وليلٌ باعتبارين كما سبق مكرّراً، ونكّر الغد لتفخيمه وللاشارة الى انّه لا يمكن تعريفه للمحجوبين بحجاب المادّة، ولفظة ما نافية، والجملة صفةٌ لنفسٍ، او معلّق عنها العامل، او استفهاميّة ومعلّق عنها العامل، او موصولة ومفعول لتنظر { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } تأكيد لقوله اتّقوا الله او النّظر منه الى مرتبةٍ اخرى من التّقوى فانّ للتّقوى كما مرّ فى اوّل البقرة واشرنا اليه ههنا مراتب عديدة مترتّبة، او المقصود منه ان تتّقوا الله بعد ما نظرتم الى اعمالكم الاخرويّة وميّزتم سقيمها عن سليمها ومشوبها عن خالصها فى ان تفسدوها بالاغراض النّفسانيّة، او تشوبوها بالانتفاعات النّفسيّة ولو كانت تلك الانتفاعات القرب من الله او رضاه او المقامات الاخرويّة { إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } فيميز المشوب عن الخالص فهو تأكيد للتّقوى وتعليل للامر بها.