التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٦
مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ ٱلأَغْنِيَآءِ مِنكُمْ وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
٧
-الحشر

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ } اى ردّه اليه.
اعلم، انّ تمام ما سوى الله مملوك للحقّ تعالى شأنه نحو مملوكيّة القوى العلاّمة والعمّالة للنّفس الانسانيّة بل نحو مملوكيّة الصّور الذّهنيّة للنّفس الانسانيّة وانّ الانسان كلّما رقى مرتبة من المراتب الانسانيّة كان المرتبة الدّانية فى عين مملوكيّته خليفة للمرتبة العالية مثلاً اذا عرج الانسان عن مقام النّفس الى مقام القلب صار مقام النّفس مملوكاً للقلب وخليفة له فى التّصرّف فى القوى، وصارت القوى كما انّها مملوكة للقلب مملوكة للنّفس بعد القلب وهكذا، وانّ الله تعالى مالك لجميع ما سواه وبعده تعالى العقول مالكةٌ لما دونها، وبعدها النّفوس الكلّيّة مالكة، وبعدها النّفوس الجزئيّة مالكة، هذا فى النّزول، وامّا فى الصّعود وهو مختصّ بالانسان، فاذا استكمل الانسان واتّصل بعالم الملأ الاعلى صار مالكاً لما دونه وخليفة لله فيما دونه فكلّما فى عالم الطّبع فهو لله، وما كان لله فهو لرسوله (ص)، وما كان لرسوله (ص) فهو للائمّة (ع)، وما كان للائمّة (ع) فهو مباح لشيعتهم كما قال تعالى:
{ { قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [الأعراف:32]، وما كان فى ايدى الاغيار فهو مغصوب فى ايديهم، وما اخذه الرّسول (ص) والائمّة (ع) والمؤمنون منهم فهو حقّهم الّذى كان مأخوذاً منهم غصباً وصار عائداً الى اهله الّذين كانوا مالكين له ولذلك سمّى فيئاً { فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ } وجف يجف اضطرب، والوجيف ضرب من سير الخيل والابل { مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ } الخيل جماعة الافراس لا واحد له، او واحده الخائل، ويطلق على جماعة الفرسان، والرّكاب ككتاب الابل واحدتها الرّاحلة، قيل: نزلت هذه الآية فى غنائم بنى النّضير والآية الآتية فى سائر اموال الكفّار الّتى يفيئها الله على رسوله (ص)، وقيل: كلتاهما نزلتا فى غنائم بنى قريظة وبنى النّضير كانوا بقرب المدينة فمشوا الى قراهم سوى الرّسول (ص) فانّه ركب حماراً او جملاً ولم يجر مزيد قتال ولذلك لم يعط الانصار منها شيئاً الاّ رجلين او ثلاثةً وفى غنائم خيبر وفدكٍ، وقرى عَرُيْنه وينبع، والآية الاولى لبيان عدم استحقاق المقاتلين بحقّ المقاتلة، والآية الثّانية لبيان المصرف { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىِٰ } اى ذى قربى الرّسول (ص) { وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } من قرابات الرّسول (ص) وقد خصّص فى الاخبار كلّ ذلك باقرباء الرّسول (ص) { كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ ٱلأَغْنِيَآءِ مِنكُمْ } الدّولة بالفتح والضّمّ المال الّذى يتداولونه بينهم، او بالضّمّ فى المال، وبالفتح فى الحرب، او بالضّمّ فى الآخرة، وبالفتح فى الدّنيا، كذا فى القاموس { وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ } اى ما اعطاكم من غنائم بنى النّضير، او من مطلق الغنائم، او من مطلق الاموال والاوامر { فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } فى مخالفة الرّسول (ص) { إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَاب } عن الصّادق (ع) انّ الله عزّ وجلّ ادّب رسوله (ص) حتّى قومه على ما اراد ثمّ فوّض اليه فقال عزّ ذكره: ما آتاكم الرّسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا، فما فوّض الله الى رسوله (ص) فقد فوّضه الينا، والاخبار فى تفويض امر العباد الى رسول الله (ص) كثيرة وانّه صلّى الله عليه وآله احلّ وحرّم اشياء فأجازه الله تعالى ذلك له.