التفاسير

< >
عرض

لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ
٨
وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
٩
-الحشر

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ } بدل من قوله لذى القربى،، او بدل من مجموع قوله لله وللرّسول ويكون ابداله بالنّسبة الى الله ورسوله نحو بدل الاشتمال، وبالنّسبة الى ذى القربى وما بعده نحو بدل الكلّ من الكلّ والمراد بالمهاجرين من هاجر من مكّة او من سائر بلاد الكفر الى المدينة او من هاجر السّيّئات الى الحسنات، او من هاجر من دار النّفس الامّارة الى دار النّفس اللّوامة، ومنها الى النّفس المطمئنّة اللّتين هما دار الاسلام، ومنها الى القلب الّذى هو دار الايمان { الَّذِينَ أُخْرِجُواْ } صفة للفقراء او ابتداء كلام ومبتدأٌ ويبغون خبره، او اولئك هم الصّادقون خبره والجملة فى مقام التّعليل، ووضع الظّاهر موضع المضمر ليكون بعقد الوضع دالاًّ على علّة الحكم ايضاً والمقصود انّهم اخرجهم الكفّار من مكّة او من سائر بلادهم، او اخرجهم الملائكة من بلاد الكفر، او من مراتب نفوسهم وقال: اخرجوا دون خرجوا للاشعار بانّ الخارج من وطنه او من مقام الى مقام ان لم يكن بحسب الظّاهر له مخرجٌ فهو خارج بمخرجٍ باطنىٍّ وليس خارجاً بنفسه فيكون خروجه نعمة من ربّه { مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ } فى ذلك الخروج { فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً } الفضل كما تكرّر ذكره النّعم الصّوريّة والرّسالة واحكامها وقبولها، والرّضوان الولاية وآثارها وقبولها { وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ } عطف على الفقراء المهاجرين او على المهاجرين او على الّذين اخرجوا او مبتدء وخبره يحبّون من هاجر اليهم والجملة معطوفة على سابقتها والمعنى الّذين اقاموا فى دورهم وهم الانصار الّذين لم يكن لهم ان يخرجوا لهجرة الرّسول (ص) اليهم { وَٱلإِيمَانَ } يعنى اقاموا فى الايمان فانّ الاوصاف كثيراً يحكم عليها بحكم الظّروف { مِن قَبْلِهِمْ } اى من قبل المهاجرين فيكون المراد الّذين آمنوا بمكّة ثمّ رجعوا الى المدينة وانتظروا قدوم محمّدٍ (ص)، او المعنى تبوّأوا الدّار والايمان من قبل هجرة المهاجرين { يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ } من المؤمنين المهاجرين لانّهم احسنوا الى المهاجرين واسكنوهم دورهم واشركوهم فى اموالهم { وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ } اى المهاجرون اى لا يجد الّذين تبوّأوا الدّار فى انفسهم حسداً او غيظاً لازماً للحاجة والفقر ناشئاً ممّا اوتى المهاجرون، او من اجل ما اوتى المهاجرون من غنائم اهل القرى او غنائم بنى النّضير، او ممّا اوتوا من الفضل الصّورىّ والمعنوىّ لتسليمهم لقسم الله وتوكّلهم على الله ورضاهم بما آتى الله العباد من الفضل الصّورىّ والمعنوىّ، او لا يجدون فى صدورهم حاجة فى شيءٍ من الاشياء لاجل ما اوتوا من قوّة اليقين وقوّة التّوكّل واستغناء القلب فيكون حينئذٍ مرفوع اوتوا راجعاً الى الّذين تبوؤا الدّار { وَيُؤْثِرُونَ } المؤمنين المهاجرين { عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } بان يقدّموا المؤمنين فى حظوظهم النّفسانيّة وفى افضال الله بحسب الظّاهر والباطن { وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } فقر وحاجة { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ } يعنى من حفظه الله من شحّ نفسه والشّحيح ابلغ من البخيل فانّ البخيل من يبخل بما فى يده ولا يعطيه لمستحقّه، والشّحيح من يبخل بمال الغير بمعنى انّه يريد ان يكون ما فى يد الغير له ويحتال فى اخذ ما فى يد الغير بالحلال او الحرام، وقيل: شحّ النّفس هو اخذ الحرام ومنع الزّكاة { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } "روى انّه جاء رجل الى رسول الله (ص) فشكى اليه الجوع فبعث رسول الله (ص) الى بيوت ازواجه فقلن: ما عندنا الاّ الماء، فقال رسول الله (ص): من لهذا الرّجل اللّيلة؟ - فقال علىّ بن ابى طالب (ع): انا له يا رسول الله (ص)، وأتى فاطمة (ع) فقال لها: ما عندك يا ابنة رسول الله؟، فقالت: ما عندنا الاّ قوت العشيّة لكنّا نؤثر ضيفنا، فقال يا ابنة محمّدٍ (ص) نوّمى الصّبية واطفئ المصباح، فلمّا اصبح علىّ (ع) غدا على رسول الله (ص) فأخبره الخبر فلم يبرح حتّى انزل عزّ وجلّ: { وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ }" (الآية)، وقيل: انّه اهدى لبعض الصّحابة رأسٌ مشوىّ وكان مجهوداً فوجّه به الى جارٍ له فتداولته تسعة ثمّ عاد الى الاوّل فنزل: ويؤثرون على انفسهم. وقيل: "قال رسول الله (ص) يوم بنى النّضير للانصار: ان شئتم قسّمتم للمهاجرين من اموالكم ودياركم وتشاركونهم فى هذه الغنيمة، وان شئتم كانت لكم دياركم واموالكم ولم يقسّم لكم شيءٌ من الغنيمة" فقال الانصار: بل نقسّم لهم من اموالنا وديارنا ونؤثرهم بالغنيمة ولا نشاركهم فيها، فنزلت الآية. وقيل: نزلت فى سبعةٍ عطشوا فى يوم اُحدٍ فجيئ بماءٍ يكفى لاحدهم فقال واحد منهم: ناول فلاناً حتّى طيف على سبعتهم وماتوا ولم يشرب احد منهم، فأثنى الله سبحانه عليهم بهذه الآية.