التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِٱللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَٰنٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُنَّ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٢
-الممتحنة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ } خصّ الخطاب والنّداء به لاختصاص الحكم به فانّه كان يأخذ البيعة من الرّجال والنّساء دون غيره { إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُؤْمِنَاتُ } اى المذعنات او المشرفات على الاسلام { يُبَايِعْنَكَ } لمّا كان زمان بعثة الرّسول (ص) زمان فترة من الرّسل (ع) واندراس من احكامهم وكان النّاس بالاخذ من الآباء والمعلّمين منتحلين لملّتهم وكان البيعة الّتى كانت اصل جملة الخيرات ولم يكن شريعة ولم يصدق ملّة الاّ بها مندرسةً ممحوّاً اثرها من الاذهان، بل كانت غريبة فى انظارهم مستهجنة فى عقولهم الجزئيّة وكان الرّجال بعد مشاهدة هذه الفعلة من الرّسول (ص) واخذ البيعة من كلّ من اراد الاسلام ايقنوا انّهم اذا ارادوا الاسلام وجب عليهم هذه الفعلة، وامّا النّساء فكأنّه خفىّ عليهنّ وجوبها وكأنّهنّ اعتقدن انّ الاسلام بان يقلن: لا اله الاّ الله، محمّد رسول الله (ص)، ولم يعلمن انّ الانسان بهذه الكلمة فى امانٍ فامّا الاسلام فلا يتحقّق الاّ بالبيعة اظهر الله تعالى كيفيّة بيعتهنّ تعريضاً بوجوبها عليهنّ ايضاً { عَلَىٰ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِٱللَّهِ شَيْئاً } من الاشياء او لا يشركن شيئاً من الاشراك { وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ } بالوأد { وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهُتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ } قيل: كانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها: هذا ولدى منك كنّى بالبهتان المفترى بين يديها ورجليها عن الولد الّذى تلصقه بزوجها كذباً لانّ بطنها الّذى تحمله فيه بين اليدين وفرجها الّذى تلده بين الرّجلين، وليس المعنى نهيهن عن الاتيان بولدٍ من الزّنا لانّ الشّرط بنهى الزّنا قد تقدّم، وقيل: البهتان الّذى نهين عنه قذف المحصنات والكذب على النّاس، واضافة الاولاد الى الازواج على البطلان، يعنى اذا جاءك المؤمنات يبايعنك على ذلك فى الحاضر والمستقبل من الزّمان { وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ } يعنى لا يعصينك فما امرت به فانّه ليس الاّ معروفاً { فَبَايِعْهُنَّ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُنَّ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }.
اعلم، انّ البيعة الّتى كانت معمولةً فى جميع الشّرائع كانت بمنزلة الانفحّة للبن الوجود وما لم تتّصل الانفحّة باللّبن لم ينعقد وبمنزلة التّأبير لثمر النّخل ما لم يؤبّر النّخل لم يحمل الثّمر وبها يحصل اللّبّ لجوز الوجود وفستقه، وبمنزلة الوصلة من الشّجر الحلو على الشّجر المرّ ما لم يتّصل من الشّجر الحلو وصلة بالشّجر المرّ لم يصر ثمره حلواً، ولذلك كانوا فى كلّ شريعة من اوّل الامر مهتمّين بالبيعة، قيل: كان النّبىّ (ص) يبايع النّساء بالكلام بهذه الآية: وما مسّت يد رسول الله (ص) يد امرأة قطّ الاّ امرأةً يملكها، وروى انّه كان اذا بايع النّساء دعا بقدح ماء فغمس فيه يده ويقول ما قاله الله تعالى ثمّ اخرج يده ثمّ غمسن ايديهنّ فيه، وقيل: انّه كان يبايعهنّ من وراء الثّوب، وقيل: الوجه فى بيعة النّساء مع انّهنّ لسن من أهل النّصرة بالمحاربة هو اخذ العهد عليهنّ بما يصلح شأنهنّ فى الدّين والانفس والازواج، وكان ذلك فى صدر الاسلام، ولئلاّ ينفتق لهنّ فتق لما صنع من الاحكام فبايعهنّ النّبىّ (ص) حسماً لذلك.