التفاسير

< >
عرض

زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَن لَّن يُبْعَثُواْ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ
٧
فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلنّورِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلْنَا وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
٨
-التغابن

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَن لَّن يُبْعَثُواْ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ فَآمِنُواْ } يعنى اذا كنتم تبعثون فآمنوا { بِٱللَّهِ } الّذى تبعثون اليه { وَرَسُولِهِ } الّذى يعلّمكم طريق الايمان به { وَٱلنّورِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلْنَا } والنّور المنزل هو ولاية علىٍّ (ع) الّتى كانت مع كلّ نبىٍّ سرّا ومع محمّدٍ (ص) سرّاً وجهراً، وقد فسّر فى الاخبار بالامامة وبالامام، وسئل الباقر (ع) عن هذه الآية فقال: النّور والله الائمّة (ع)، لنور الامام فى قلوب المؤمنين انور من الشّمس المضيئة بالنّهار، وهم الّذين ينوّرون قلوب المؤمنين ويحجب الله نورهم عمّن يشاء فتظلم قلوبهم ويغشيهم بها.
اعلم، انّ النّور هو الّذى ظهر بذاته واظهر غيره وهذا حقّ الوجود فانّه الظّاهر بذاته بحيث انّه اقدم البديهيّات واوّل المدركات، وبعد تعيين المفهوم هو اوّل المسؤلات، فانّ السّؤال بما الشّارحة الّذى هو سؤال عن مفهوم اللّفظ مقدّم على السّؤال بهل البسيطة، وبعد تعيين مفهوم اللّفظ لا يسأل الاّ بهل البسيطة وبعد السّؤال بهل البسيطة يكون سائر السّؤالات، ومعنى كونه مظهراً للاشياء انّه لا ظهور لشيءٍ من الاشياء على مدرك من المدارك الاّ بالوجود، والوجود الظّاهر بذاته المظهر لغيره هو المشيّة الّتى هى فعل الحقّ الاوّل تعالى واضافته الى الاشياء وهى الولاية المطلقة الّتى جميع الولايات الجزئيّة حِصصٌ منها وكلّ موجودٍ موجودٌ بها وكلّ ظاهرٍ ظاهرٌ بها حتى النّور العرضىّ الّذى به يظهر السّطوح والاشكال والالوان، فانّه لولا الوجود لما ظهر ذلك النّور على الابصار ولما اظهر الاشياء، وكلّ امام لمّا صار متّصلا بالمشيّة نحو اتّصال فى الصّعود بعد ما كان متّصلا بها مثل سائر الاشياء فى النّزول وبذلك الاتّصال يؤثّر فيمن اتّصل به ويفيده فعليّةً وجوديّةً فى الصّعود لم تكن له تلك الفعليّة وبتلك الفعليّة يظهر عليه وجوده وفسّروا النّور بالامام قبل الاتّصال بالامام، وتلك الفعليّة وجود حادث فى فعليّات هذا المتّصل ومقوّمة لسائرها ومحيطة بها، وهى الايمان الدّاخل فى قلب المؤمن بالبيعة الخاصّة الولويّة، وبتلك الفعليّة يظهر على المؤمن السّالك دقائق اخلاقه الّتى هى ادقّ من الشّعر واخفى من دبيب النّملة السّوداء على الصّخرة الصّماء فى اللّيلة الظّلماء، ويظهر عليه مثل هذا الشّرك الخفىّ ولم تكن تظهر عليه امثال هذه قبل ذلك، ولم تكن تظهر بنور الشّمع والسّراج، ولا بنور الكواكب والقمر، ولا بنور الشّمس الّتى هى انور، ولمثل هذا النّور وهذا الظّهور قد يرى المؤمن نفسه اسوء من كلّ مسيء واشدّ ذنباً من كلّ مذنبٍ، وقد يصير مبغضاً لنفسه اشدّ بغضٍ، ولمثل هذا الظّهور يصير الدّنيا سجناً له، هذا هو الظّهور العلمىّ والحالىّ الوجدانىّ، وقد يظهر الامام بصورته الملكوتيّة النّورانيّة على صدر السّالك وهذا الظّهور هو ظهور القائم (ع) فى العالم الصّغير وحينئذٍ تشرق ارض وجود السّالك بنور ربّه اشراقاً اشدّ من اشراق ارض العالم الكبير بنور الشّمس ولشدّة الاشراق لا ترى فيها عوجاً ولا امتاً، ويومئذٍ تحدّث اخبارها، واخرجت اثقالها، فعليكم بالاتّصال بهذا النّور فان لم يظهر عليكم الامام بصورته الملكوتيّة فلا اقلًّ من ظهور الرّذائل والخصائل بنوره ولا اقلّ من ادراك قبح الرّذائل ثمّ الانزجار منها وادراك حسن الخصائل ثمّ الرّغبة فيها والطّلب لها { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } ترغيب وتهديد.