التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ تُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِى ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَٱغْفِرْ لَنَآ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٨
يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ
٩
ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمْرَأَتَ نُوحٍ وَٱمْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ٱدْخُلاَ ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّاخِلِينَ
١٠
وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ٱبْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي ٱلْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ
١١
-التحريم

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بالبيعة العامّة { تُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ } بالبيعة الخاصّة، او المعنى يا ايّها الّذين آمنوا بالبيعة الخاصّة توبوا وارجعوا من مقام نفوسكم الى الله الّذى مظهره قلوبكم { تَوْبَةً نَّصُوحاً } خالصة من وصمة العود، او توبة ناصحاً صاحبها لنفسه فيها بان يكون نادماً على ما مضى وعازماً على التّرك فيما يأتى، او توبةً ترقع الخروق الّتى وقعت فى الدّين وترتق الفتوق وتصلح الفاسد من النّصح بمعنى الخياطة، او المراد بها التّوبة الجارية على يد ولىّ الامر فى البيعة الخاصّة الولويّة فانّها الّتى يخلّص صاحبها عن كلّ سوءٍ وغشٍّ وغلٍّ، وهى الّتى يبصر بها صاحبها كلّ سوءٍ ورذيلة فينصح نفسه فى الخلاص عنها، وهى الّتى ترقع كلّ خرقٍ وقع للنّفس قبلها. اعلم، انّ للتّوبة بحسب الصّورة معانى فانّ معناها ان يقول الانسان: أتوب الى الله، او تبت الى الله، وان يرجع الى نبىّ وقته او ولىّ وقته وباع على يده بيعةً عامّةً او بيعةً خاصّةً، وان يندم على المعاصى القالبيّة، وان يندم على الرّذائل النّفسانيّة، وان يندم على العقائد الزّائغة، وان يرجع عن ملاحظة نسبة الافعال الى نفسه، او ملاحظة نسبة الصّفات الى نفسه، او نسبة الوجود الى نفسه، وان يندم على تلوّنه فى مقاماته ويطلب التّمكين ويرجع اليه والكلّ توبةٌ والكلّ منظور من الآية بحسب مراتب الاشخاص { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } من المعاصى القالبيّة والرّذائل النّفسانيّة والعقائد الزّائغة ومن رؤية الافعال من انفسكم ونسبة الصّفات الى انفسكم ومن انانيّاتكم { وَيُدْخِلَكُمْ } بعد ازالة السّيّئات { جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } قد مضى فى سورة آل عمران فى آخرها بيان جريان الانهار من تحت الجنّات { يَوْمَ لاَ يُخْزِى ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ } اى باعوا البيعة العامّة او الخاصّة معه لكنّ المناسب لقوله تعالى { نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ } هو المعنى الثّانى وقد مضى فى سورة التّغابن بيان هذا النّور وانّه فى قلب المؤمن انور من الشّمس المضيئة بالنّهار، واختار من جملة الجهات ما بين الايدى والايمان اشعاراً بجهتى النّفس المطيعة الّتى هى بحسب قوّتيها العلاّمة والعمّالة، وامّا الخلف واليسار فانّهما لا يكونان للنّفس المطيعة بمعنى انّه لا يكون لها جهة شيطانيّة ولا جهة حيوانيّة اللّتان يعبّر عنهما بالخلف واليسار ولو كانتا لم يكن ذلك النّور فى تينك الجهتين { يَقُولُونَ } حالاً وقالاً { رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا } فانّهم بظهور هذا النّور والصّورة الملكوتيّة من امامهم يشتدّ لوعتهم ويزداد حرقتهم ويزيد طلبتهم فيطلبون ازدياد الظّهور واشتداد هذا النّور بحيث لا يبقى لهم ذات واثر، فانّ مثلهم فى تلك الحال مثل الفراش والسّراج لا يسكنون ما كان لهم ذات وحركة { وَٱغْفِرْ لَنَآ } الحدود والنّقائص الملحقة بنا المانعة لنا من كمال ادراك هذا النّور { إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ } فى العالم الصّغير والعالم الكبير، وقرأ الصّادق (ع): جاهد الكفّار بالمنافقين قال: انّ رسول الله (ص) لم يقاتل منافقاً قطّ انّما كان يتألّفهم، وفى خبرٍ عنه: جاهد الكفّار والمنافقين، قال: هكذا نزلت فجاهد رسول الله (ص) الكفّار، وجاهد علىّ (ع) المنافقين فجهاد علىٍّ (ع) جهاد رسول الله (ص) { وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } كفر النّفاق وان كان لهم قرب الى الانبياء والاولياء (ع) { ٱمْرَأَةَ نُوحٍ وَٱمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا } الخاصّين بنا { صَالِحَيْنِ } وكونهما تحتهما كنايةٌ عن كمال قربهما { فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِينَا عَنْهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ٱدْخُلاَ ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّاخِلِينَ وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ } فانّ وصلة الكفّار ومخالطتهم لا تضرّهم كما انّ وصلة آسية ومخالطتها لفرعون ما كانت تضرّها { إِذْ قَالَتْ رَبِّ ٱبْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي ٱلْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } اى القبطىّ التّابعين له.